تحليلات واراء

اعتقال السلطة الفلسطينية هشام حرب: حلقة جديدة في سجل طويل من الخيانة

أعلنت النيابة العامة الفرنسية لقضايا الإرهاب، عن توقيف الفلسطيني هشام حرب (مواليد 1955) في الضفة الغربية على يد أجهزة السلطة الفلسطينية في إطار حلقة جديدة في سجل طويل من الخيانة.

وبحسب السلطات الفرنسية يُشتبه في أن حرب أشرف على المجموعة المسؤولة عن هجوم على مطعم يهودي في شارع روزييه في باريس عام 1982، الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 22 آخرين، ونُسب حينها إلى منظمة أبو نضال المنشقة في حينه عن حركة فتح.

وقد رحبت فرنسا بالخطوة ووصفتها بـ”التطور الكبير”، فيما شكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السلطة الفلسطينية وأشاد بـ”التعاون الممتاز”.

لكن خلف هذا المشهد القانوني، يطفو سؤال جوهري: هل ما جرى تعاون قضائي مشروع، أم حلقة جديدة من سلسلة تنازلات السلطة التي اعتادت العمل كوكيل أمني يخدم أجندات خارجية حتى لو على حساب الذاكرة الوطنية الفلسطينية؟.

من هو هشام حرب ؟

لطالما قدمت السلطة الفلسطينية نفسها ككيان يسعى لبناء مؤسسات وفرض “سيادة القانون”. لكن هذه الرواية تنهار عند التمعن في طبيعة القضايا التي تنخرط فيها.

إذ أن توقيف فلسطيني على أرض فلسطينية وتسليمه في ملف يعود لأكثر من أربعين عامًا، يطرح شبهة الارتهان السياسي: لماذا لم يُفتح أي تحقيق وطني؟ ولماذا جرى التعامل مع الملف بصفته “أولوية فرنسية” بينما تغض السلطة الطرف عن جرائم الاحتلال اليومية في غزة والضفة؟

الجواب يكمن في البنية الأمنية للسلطة نفسها، التي وُلدت من رحم “أوسلو” لتكون شريكًا وظيفيًا في حفظ أمن الآخرين أكثر من كونها مدافعًا عن حق الفلسطينيين.

اللافت في خطاب ماكرون هو لهجته المفعمة بالرضا: شكر السلطة على تعاونها، ووعد بالسعي لتسليم سريع. أي أن الإنجاز الأكبر في نظر باريس هو أن رام الله تحولت إلى مكتب فرعي ينفذ المطلوب لصالح القضاء الفرنسي.

وتعزز هذه الصورة الاتهامات القديمة بأن السلطة لا تمثل الإرادة الشعبية بل تعمل كأداة تنفيذ لإملاءات الخارج.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

فيما تتباهى السلطة بـ”الخطوة الإجرائية الكبرى”، يغيب السؤال الأهم: لماذا لا تُسلم مسئولو الاحتلال أنفسهم إلى العدالة الدولية رغم إدانات واضحة بارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة؟.

ولماذا يُختزل مفهوم العدالة في ملاحقة فلسطينيين عن أحداث مضى عليها أكثر من أربعة عقود، بينما لا يُحرَّك ساكن تجاه المجازر المستمرة حتى اللحظة؟

إنها ازدواجية فاضحة: تُستحضر سيادة القانون عندما يخدم الغرب، ويُهمل عندما يتعلق بضحايا الاحتلال. والسلطة، بانخراطها في هذه اللعبة، تكرّس صورتها كجزء من المنظومة لا كضحية لها.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُتهم فيها السلطة بالتواطؤ فتاريخها مليء بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، وباعتقالات طالت مقاومين لمجرد الاشتباه بعلاقتهم بفصائل رافضة للتسوية.

الجديد اليوم أن التعاون يتجاوز “إسرائيل” إلى الأجهزة الأوروبية، ما يفضح حقيقة الدور: جهاز أمني متعدد المهام يخدم من يدفع ويضغط.

ويشار إلى أن الهجوم على مطعم يهودي في باريس عام 1982، ارتبط بسياق صراع مفتوح في تلك المرحلة، حيث كانت منظمة أبو نضال واحدة من عشرات المجموعات التي رفعت السلاح ضد دولة الاحتلال وحلفائها.

ويأتي توقيف أحد المتهمين بعد أربعة عقود، في ظل حرب إبادة إسرائيلية جارية في غزة، كفعل انتقائي أخلاقيًا يساوي بين الضحية والجلاد ويغفل السياق الاستعماري.

بهذا المعنى، فإن السلطة لا تنتهك فقط مبدأ العدالة، بل تمارس خيانة للذاكرة الوطنية حين تستجيب لطلبات الإنتربول بينما تصمت عن قصف المستشفيات والمجازر اليومية في غزة.

وبالمحصلة فغن اعتقال هشام حرب علامة أخرى على انغماس السلطة الفلسطينية في شبكة خيانات سياسية وأمنية ممتدة منذ “أوسلو”، حيث تتحول قضايا الشعب إلى أوراق مقايضة مع الغرب.

وفي وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى موقف وطني موحد أمام جرائم الاحتلال، تصر السلطة على تقديم نفسها كشرطي حدود تابع للخارج والاستمرار بمسار التبعية وأداء وظيفتها: شرعنة الاحتلال وتبرئة حلفائه، بينما تُسلم أبناءها واحدًا تلو الآخر على مذبح “التعاون الأمني الدولي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى