تحليلات واراء

حقائق لا تعرفها عن توني بلير.. الوجه القذر لسلخ غزة

عندما يُعاد طرح اسم توني بلير في أي “حل” إقليمي تقع على السمع صرخة اعتراض داخل الساحة العربية في ظل إجماع على أن تراكم سجل الرجل السياسي والوظيفي ينبئ عن خيارات سياسية وأولويات تتلاقى مع مشاريع إقليمية ودولية لا تضع في مركزها حقوق الشعب الفلسطيني أو حقه في تقرير المصير.

ولعل عودة بلير المفترضة هذه المرة كجزء من “مجلس سلام” أو إدارة انتقالية لقطاع غزة يفرض علينا قراءة متأنية لما يمثّله هذا الرجل من مواقف وتوجهات، وما الذي يمكن أن تؤول إليه تبعات وجوده في قلب أي مشروع لإعادة بناء غزة.

ولا يمكن فصل بلير عن صوته المدافع عن الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والنتائج المروعة لتلك الحرب — مئات الآلاف قتلى ونزوح جماعي وتدمير مؤسسات دولة — ثم ما تلاه من اعتذارات “محدودة” عن أخطاء في الاستخبارات أو في التعامل مع التبعات، مع إصرار على شرعية الخيار العسكري في لحظات معينة.

هذا التاريخ لا يزول بحديثٍ عابر؛ بل هو مرآة لنهجٍ يتعامل مع الشعوب كأداة لتصفية حسابات كبرى، ويكرّس نهج بناء “حلول إدارية” على أنقاض الخيارات السياسية، بحسب ما تؤكد صحيفة الغارديان البريطانية.

توني بلير ويكيبيديا

منذ مغادرته رئاسة الوزراء خدم بلير كـ”مبعوث” وكمستشار لجهات رسمية وخاصة، وهو ما أتاح له بناء شبكة علاقات تجارية وسياسية واسعة مع أنظمة عربية وخليجية.

ويطرح هذا التداخل بين العمل السياسي والعقود الاستشارية سؤالاً أخلاقيًا وجوهريًا عن استقلال دوره كوسيط محايد في ملفات حساسة مثل القضية الفلسطينية.

ويبرز مراقبون استغلال بلير الدائم لموقعه السابق لبناء إمبراطورية مصالح تربطه بدول لا تتبنى معايير حقوقية راسخة، ما يقلّص من مصداقيته لدى جماهير تُناظر قضيتها إلى بعد وجودي.

وفيما يخص غزة، فإن التحذيرات تتصاعد من محاولة فرض بلير وشركائه خطط النهج التقني والاقتصادي كبديل عن الحل السياسي.

إذ ان التاريخ المكتوب عن مشاركاته في مشاريع إعادة إعمار أو بناء مؤسسات في الضفة وغزة يظللها نهج تقنيا-اقتصاديا: “إعادة إعمار” تُقاس بالمشروعات والاستثمارات والبنى التحتية؛ لكن أي مشروع لا يضع في صميمه إنهاء الاحتلال، وحماية الحقوق المدنية والسياسية، وضمان العودة والحقوق الاقتصادية، هو وصفة لتغريد غزة ضمن سوق استثماري تُهيمن عليه جهات خارجية.

ويحذر المراقبون من أن “حلول بلير” تميل إلى تحويل غزة إلى منطقة تشغيل وتجريب اقتصادي تحت إشراف خارجي بدلاً من تمكين فلسطيني حقيقي.

خطة ترامب للتسوية في غزة

أي مشروع يُرفق باسم بلير غير قابل عمليا للنجاح في الظروف الراهنة لأن يواجه رفضًا شعبيًا واسعًا باعتبار أن الصورة الذهنية لدى قطاعات كبيرة من الفلسطينيين والعرب عن الرجل مرتبطة بإخفاقات تاريخية وسياسات اعتُبرت معادية للحقوق.

حتى على المستوى الدولي، أعرب مراقبون وحقوقيون عن مخاوف من أن أي “مجلس سلام” يقوده شخص من هذا النوع قد يصبح أداة لفرض ترتيبات إدارية لا تعالج جذور الصراع، بل تُشرعن سياسات تهجير أو تفريغ بطيء.

وهنا يتساءل المراقبون من يعطي الحق لبلير أو لغيره بأن يعيد تشكيل مؤسسات شعب تحت أنقاض حرب طال أمدها، من دون مخاطبة سياسية حقيقية؟.

وإذا كان هناك درس يستخلصه الشعب الفلسطيني ومؤيدوه، فهو أن يقظة الحاضنة الشعبية ــ والضغط على الفاعلين الدوليين ــ تبقي المسار السياسي حياً.

فمواجهة حلول بلير أو أي حلول بروتوكولية مشابهة لا تكون فقط بالرفض العاطفي، بل بالعمل القانوني والسياسي لإظهار مخاطر التفويض لمصالح خارجية، وبالمطالبة بخارطة طريق واضحة تستند إلى إنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير.

كما يجب على الإعلام والمجتمع المدني توثيق كل خطوة، وفضح تضارب المصالح، وطرح بدائل فلسطينية حقيقية تقود عملية إعادة البناء على أسس العدالة والحقوق.

ويشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان اجتمع في انخراط خطير بمشاريع تهجير غزة وفرض التقسيم ديموغرافي للقطاع، منتصف تموز/يوليو الماضي مع توني بلير، في العاصمة الأردنية عمّان.

وفي حينه تم النظر إلى اللقاء بحسب مراقبين، بمثابة إشارة من عباس لفتح الباب رسميًا أمام توني بلير، ذلك الوجه الذي بات يُنظر إليه كـ”عراب مشروع تهجير غزة” عبر خططه المشبوهة لإعادة إعمار القطاع وتحويله إلى مساحة استثمارية مهيمنة عليها إسرائيل ومصالح دولية.

كما أكد المراقبون أن لقاء عباس مع توني بلير في عمّان ليس حدثًا عاديًا، بل هو مؤشر خطير على اتجاهات سياسية قد تحمل في طياتها تهديدات حقيقية لوجود الفلسطينيين في قطاع غزة، وربما لكل المشروع الوطني الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى