تظاهرات أمام سفارات الأردن ومصر تفضح التواطؤ وتُربك النظامين
وسط الغضب العالمي من إبادة غزة

شهدت عواصم أوروبية وعربية وأميركية خلال الأيام الماضية سلسلة تظاهرات حاشدة أمام سفارات الأردن ومصر، تحوّلت في بعض الحالات إلى اعتصامات مفتوحة وإغلاق رمزي للمقار الدبلوماسية، احتجاجًا على ما وصفه المتظاهرون بـ”تواطؤ العاصمتين في حرب الإبادة على غزة”.
الهتافات، اللافتات، البيانات والاعتصامات، لم توجَّه هذه المرة إلى إسرائيل أو داعميها الغربيين فقط، بل صُوّبت مباشرة إلى عمّان والقاهرة، في تحوّل يُعدّ مؤشراً على تغيّر نوعي في وعي الشارع العربي والدولي حول أدوار الدول المحيطة بغزة، لا سيما في الجوانب الإنسانية والأمنية التي تسمح باستمرار المجازر.
غضب عابر للقارات.. وغلق السفارات
من لندن إلى باريس، ومن نيويورك إلى إسطنبول، ومن بروكسل إلى كيب تاون، نظم آلاف النشطاء وقفات واعتصامات أمام السفارات الأردنية والمصرية، رافعين شعارات تدين “الصمت الخياني”، وتصف مصر بـ”الشريك في الحصار”، وتنتقد الأردن باعتباره “الصوت الذي تراجع إلى الهمس وسط المجازر”.
وفي مشاهد بالغة الدلالة، قام نشطاء في أمستردام ومدريد وشيكاغو بإغلاق رمزي لسفارات مصر والأردن، بإلصاق سلاسل رمزية على الأبواب ورفع لافتات كتب عليها: “سفارة مغلقة باسم أطفال غزة”، و”أنتم تساهمون في الإبادة”.
الصور ومقاطع الفيديو لهذه التحركات اجتاحت منصات التواصل، حيث تصدّر وسم #أغلقوا_السفارات قائمة التريند في أكثر من 15 دولة، إلى جانب وسم #رفح_مقفول و#مصر_تحاصر_غزة و#الأردن_شريك_الصمت.
النظامان في مأزق.. وردّ إعلامي مرتجف
التصعيد الشعبي وضع النظامين المصري والأردني في حرج غير مسبوق دوليًا، خاصة في ظل اتساع دائرة الضغط من النخب والمجتمعات الحقوقية في الغرب.
وفي محاولة لامتصاص الغضب، لجأ الإعلام الرسمي في القاهرة وعمّان إلى إطلاق حملات دعائية مرتجلة، تركز على تصوير دور البلدين كـ”وسطاء للتهدئة”، وتضخيم إرسال “بعض المساعدات” أو “المواقف الدبلوماسية المتوازنة”.
إلا أن هذه الحملات باءت بالفشل في تهدئة الرأي العام، حيث واجهها ناشطون بحقائق ميدانية، تتعلّق بإغلاق معبر رفح من الجانب المصري لفترات طويلة أو التحكم بمرور الشاحنات الإنسانية عبر تنسيق أمني صارم مع الاحتلال، فيما يُتَّهم الأردن بـ”إبقاء ملف اللاجئين الفلسطينيين في مخازن التجميد السياسي”، وبتنفيذ التنسيق الأمني الكامل مع إسرائيل في الضفة الغربية.
تحوّل في زاوية الاستهداف الشعبي
ما يثير الانتباه أن التحركات الشعبية باتت لا تستثني من النقد العواصم العربية، بعدما كان التركيز ينصب عادة على الولايات المتحدة أو الاحتلال الإسرائيلي.
فاليوم، يُحمّل الرأي العام العربي والعالمي بعض الأنظمة العربية المسؤولية المباشرة عن تسهيل أو تمرير سياسات الحصار والتجويع بحق سكان غزة.
وقال الباحث في الشؤون العربية حسن الأشقر: “الوعي السياسي العربي تجاوز مرحلة لوم الخارج فقط، وأصبح يضع الأصبع على دور الأنظمة المجاورة التي تمارس الحصار بيد، وتُرسل بيانات الاستنكار باليد الأخرى. وقد آن الأوان لهذا النفاق أن يُكشَف.”
القاهرة وعمّان بين المطرقة والسندان
في العلن، تسعى القيادتان المصرية والأردنية إلى الظهور بمظهر المتعاطف مع غزة، لكن في الواقع تُضبط العاصمتان متلبّستين بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، كلٌ في مجاله:
القاهرة تتحكم في المعبر الجنوبي، وتمنع دخول المساعدات والمرضى إلا وفق “موافقة أمنية إسرائيلية غير معلنة”،
عمّان تُبقي حدود الضفة مغلقة بإحكام، وتُنسّق أمنيًا مع الاحتلال في إطار اتفاقات وادي عربة، وتغضّ الطرف عن التوغلات الإسرائيلية.
هذا التناقض العلني فضحه النشطاء في بياناتهم، متهمين الحكومتين بـ”التواطؤ الفعلي في المشروع الإسرائيلي لتفريغ غزة من سكانها عبر التجويع والتدمير المنهجي”.
ضغط دولي متصاعد
لا يقتصر الحرج على الساحات الشعبية فقط، بل بدأت بعض الدوائر البرلمانية الأوروبية والأميركية تطالب بمساءلة حلفاء واشنطن الإقليميين عن دورهم في الكارثة الإنسانية في غزة.
وقد وجه عدد من النواب في برلمان الاتحاد الأوروبي رسائل رسمية إلى حكوماتهم بشأن “ضرورة مراجعة علاقات بروكسل مع القاهرة وعمّان إذا ثبت تقاعسهما في إنفاذ الحد الأدنى من الواجب الإنساني تجاه غزة”.
الإعلام البديل يتفوّق على الرسمي
من اللافت أن الحملات الإعلامية المضادة التي أطلقتها وسائل إعلام النظامين، سواء بتكرار “مصر أكبر داعم لغزة” أو “الأردن حريص على الحل السياسي”، لم تعد تُقنع المتابع العربي أو الدولي، بعدما أصبحت المنصات المستقلة ووسائل الإعلام الجديدة قادرة على توثيق الوقائع بالفيديو والرقم والشهادات المباشرة من الحدود.
وتحوّل خطاب المؤسسات الرسمية إلى ما يشبه “الكمامات الإعلامية” التي تحاول خنق الحقيقة بدل مواجهتها.
الحساب الشعبي لم يبدأ بعد
التظاهرات أمام السفارات وإغلاقها رمزيًا ليست ذروة الغضب بل بدايته، كما يرى كثيرون، وهي تعبّر عن لحظة وعي عربي ودولي فاضحة لمكانة بعض الأنظمة في المشهد الدموي لغزة.
القضية لم تعد فقط احتلالًا يقتل، بل أنظمة تبرّر وتُطبّع وتتواطأ وتُنسّق بصمتٍ مدوٍّ.
والسؤال الآن: هل تجرؤ القاهرة وعمّان على مراجعة دوريهما؟
أم أن سلاسل المتظاهرين حول سفاراتهم ستتمدد – لا لتغلق بابًا، بل لتفتح جراحًا لا يمكن إخفاؤها؟