تناغم مفضوح بين ماكينة الدعاية الإسرائيلية وإعلام الإمارات وشبكة أفيخاي

تبرز ظاهرة تناغم مفضوح بين ماكينة الدعاية الإسرائيلية الرسمية، وعلى رأسها صفحة الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وبين أنشطة إعلام إماراتي متورط وشبكة من الحسابات الفلسطينية والعربية الممولة والمعروفة باسم “شبكة أفيخاي”.
ويؤكد مراقبون أن هذا التناغم لم يكن عفويًا، بل جاء ضمن خطة ممنهجة لتصوير المقاومة الفلسطينية كعبء مرفوض شعبيًا، عبر صناعة محتوى مدفوع الثمن يقدّم كأنه “شهادات مواطنين”.
وتقوم شبكة أفيخاي على مجموعة من الأفراد والحسابات مرتبطة بدوائر تمويلية وإعلامية خارجية، أبرزها منصات ممولة من دولة الإمارات.
ويقوم الهدف المركزي لهذه الشبكة على إنتاج مقاطع فيديو ومنشورات تبدو كأنها “مواقف طبيعية” من مواطنين فلسطينيين، لكن مضمونها يتطابق مع خطاب الاحتلال: تحميل المقاومة مسؤولية الدمار والمعاناة، وإظهار الفلسطينيين كرافضين لخيار المواجهة.
هذه “الشهادات” يتم لاحقًا إعادة تدويرها من قبل أفيخاي أدرعي وصفحاته، باعتبارها أدلة على “رفض شعبي” للمقاومة. هنا تتحقق الحلقة الكاملة: إنتاج رواية عبر المال، تلميعها بوسائل الإعلام الإماراتية، ثم تبنيها رسميًا عبر ناطق جيش الاحتلال.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
خصص الإعلام الإماراتي على مدار أشهر حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، مساحات واسعة لإبراز الخطاب المناهض للمقاومة الفلسطينية، مستخدمًا لغة “البراغماتية” و”السلام الإقليمي”.
وتركز تقارير تبثها قنوات إماراتية أو منصات إلكترونية ممولة، على تحميل الفصائل الفلسطينية مسؤولية حصار غزة ومعاناة المدنيين، وتُبرز شخصيات فلسطينية مجهولة تُدين المقاومة بلغة قريبة جدًا من البيانات العسكرية الإسرائيلية.
وبينما يظهر هذا المحتوى كإعلام “عربي”، إلا أنه في الجوهر يخدم الدعاية الإسرائيلية عبر توسيع دائرة ترديد خطابها، وإضفاء شرعية “إقليمية” عليه.
وفيما يشبه إعادة التدوير، فإن رصد آلية التناغم المذكور يبرز بشكل لافت:
إنتاج المحتوى: شخصيات من شبكة أفيخاي تنشر مقاطع مصورة قصيرة أو تغريدات ضد المقاومة.
التضخيم الإعلامي: حسابات إماراتية بعضها يحمل غطاءً “صحفيًا”، تعيد نشر هذه المقاطع باعتبارها “رأي فلسطيني من الداخل”.
التوظيف الدعائي: أفيخاي أدرعي وصفحات الدعاية الإسرائيلية الرسمية تستخدم نفس المقاطع، وتعرضها على أنها دليل مباشر على رفض المواطنين الفلسطينيين للمقاومة.
ويكشف هذا النمط، الذي تكرر عشرات المرات خلال الأشهر الأخيرة، عن تنسيق غير معلن، حيث يتم استثمار كل “شهادة مدفوعة” عدة مرات في مستويات مختلفة من الحرب النفسية.
الحرب النفسية: صناعة الهزيمة المعنوية
تكمن خطورة هذا التناغم في كونه لا يستهدف فقط الرأي العام الدولي، بل يوجه أيضًا إلى الداخل الفلسطيني. فالاحتلال يدرك أن كسر معنويات المواطنين الفلسطينيين يتطلب إيهامهم بأنهم “أقلية” تتمسك بالمقاومة، بينما الأغلبية ضدها.
هنا يصبح لمقاطع الفيديو الملفقة تأثير نفسي مزدوج: على الفلسطينيين أنفسهم لإضعاف الثقة بمجتمعهم، وعلى الجمهور العربي والدولي لخلق صورة أن المقاومة بلا حاضنة شعبية.
ويلاحظ أن الشهادات التي تخرج من شبكة أفيخاي أو من منصات إماراتية ليست مجانية ولا تلقائية.
بل تكشف تقارير وتسريبات عن تمويل مباشر يُمنح لبعض الأفراد مقابل تسجيل فيديوهات أو كتابة منشورات منسقة.
ولا تعد هذه الممارسة جديدة، إذ سبق أن استخدم الاحتلال والإمارات آلية “شراء الأصوات” في ملفات أخرى، لكن خطورتها هنا تكمن في توظيفها داخل ساحة الصراع الفلسطيني حيث الدماء والمعاناة اليومية تضيف بعدًا عاطفيًا يجعل الأكاذيب أكثر قابلية للتصديق.
أثر هذا التناغم على المشهد الإعلامي
تشويش الرأي العام الدولي: عبر إغراق الفضاء الإعلامي بمقاطع “محلية” تعكس خطاب الاحتلال.
تضليل المجتمعات العربية: إذ يُقدم هذا المحتوى وكأنه “حقيقة من الداخل”، بينما هو صناعة مدفوعة.
تآكل الثقة: بين الفلسطينيين أنفسهم، حيث يصعب التمييز بين الصوت الحقيقي والمصطنع.
وبذلك، يصبح الإعلام جزءًا من الحرب العسكرية نفسها، يسعى إلى إضعاف صمود الفلسطينيين عبر القصف المعنوي كما القصف الجوي.
وعليه فإن التناغم بين ماكينة الدعاية الإسرائيلية، وإعلام الإمارات، وشبكة أفيخاي لم يعد مجرد تقاطع مصالح عابر، بل بات تحالفًا متكاملًا يُدار ضمن استراتيجية حرب نفسية شاملة.
إذ يستثمر الاحتلال هذه الأدوات لتثبيت روايته أمام العالم، والإمارات توظفها لخدمة خياراتها السياسية في التحالف مع إسرائيل، بينما الأفراد في شبكة أفيخاي يجدون في المال دافعًا لتبني خطاب مناقض لمصلحة شعبهم.
لكن خطورة هذا التحالف تكمن في محاولته سرقة صوت الضحايا وتحويله إلى شهادة ضدهم. وفي المقابل، فإن وعي الجمهور بكيفية صناعة هذه الأكاذيب وتكرار نمطها، كفيل بفضح اللعبة وكسر سلاح الحرب النفسية.