تحليلات واراء

رد حركة حماس الذكي على خطة ترامب يشعل جنون إعلام الإمارات

كيف تحوّل نديم قطيش إلى بوق للذعر الإسرائيلي؟

في مشهدٍ جديد من الارتباك السياسي والإعلامي الذي يلاحق محور التطبيع العربي، انفجر الغضب في منصات وقنوات دولة الإمارات عقب رد حركة حماس بالموافقة على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تبادل الأسرى ووقف الحرب في قطاع غزة.

وبينما لاقت الخطوة ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً باعتبارها بارقة أمل لإنهاء واحدة من أبشع الحروب في التاريخ الحديث، اختارت أبوظبي الصمت الرسمي، في حين تولّى إعلامها مهمة الهجوم على المقاومة والتشكيك في نواياها.

نديم قطيش يهاجم والموقف الرسمي يختبئ

شن مدير قناة “سكاي نيوز عربية” الواجهة الإعلامية لأبوظبي، نديم قطيش، حملة تحريضية ضد حركة حماس، وادّعى أن الحركة تحاول “تفريغ خطة ترامب من مضمونها” وأن ردها “مناورة سياسية” تهدف إلى عرقلة تنفيذ البنود التي تخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي.

هذا الهجوم الإعلامي لم يكن منفصلاً عن نهج إماراتي مألوف: استخدام أبواق إعلامية لتبنّي خطاب الاحتلال بينما تبقى الدبلوماسية الرسمية في حالة تريّث مدروس، بانتظار معرفة اتجاه الرياح الأمريكية والإسرائيلية.

وحتى الآن، لم تصدر أبوظبي أي موقف رسمي من إعلان حماس، رغم أن دولاً كبرى — من قطر ومصر وتركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة نفسها — سارعت إلى الترحيب بالخطوة واعتبارها منعطفاً مهماً نحو وقف شامل لإطلاق النار.

واللافت أن الصمت الإماراتي تجاه مبادرة تنهي حرباً أودت بحياة أكثر من 66 ألف شهيد فلسطيني، يتناقض تماماً مع سرعة أبوظبي في إصدار بيانات إدانة لأي حادث يُفسَّر على أنه “عداء لليهود” حتى لو كان بعيداً عن الواقع أو قيد التحقيق.

وتعكس هذه الازدواجية، التي باتت سمة في السياسة الخارجية الإماراتية، حرص أبوظبي على إرضاء تل أبيب وحماية صورتها كـ”شريك موثوق” في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في وقتٍ تخشى فيه أن يُفسَّر أي تعاطف مع غزة كـ”خروج عن خط التطبيع”.

حماس تربك الحسابات

في المقابل، ردّ حركة حماس على الخطة الأمريكية جاء ذكياً ومركَّباً. فالموافقة المشروطة التي أعلنتها — وتشمل الإفراج عن جميع الأسرى أحياءً وجثامين، والدخول في مفاوضات عاجلة عبر الوسطاء، وتسليم إدارة القطاع إلى هيئة فلسطينية مستقلة بدعم عربي وإسلامي — مثّلت خطوة تكتيكية أربكت الاحتلال وحلفاءه في المنطقة.

بهذا الرد، نقلت حماس الكرة إلى الملعب الإسرائيلي والأمريكي، وأظهرت استعدادها السياسي دون التنازل عن الثوابت الوطنية، ما جعل أي رفض لاحق من نتنياهو يبدو أمام العالم وكأنه رفض للسلام نفسه.

وقد كشف موقع أكسيوس الأمريكي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفاجأ من تفاعل ترامب الإيجابي مع ردّ حماس، بعد أن ظنّ أن الموافقة لن تأتي أبداً.

أما ترامب نفسه فقد وصف يوم إعلان ردّ حماس بأنه “يوم استثنائي”، داعياً الحكومة الإسرائيلية إلى وقف الهجمات العسكرية فوراً، ومؤكداً تطلّعه إلى “عودة الأسرى (الإسرائيليين) إلى ذويهم”.

ويظهر ذلك أن ردّ حماس الذكي أربك تحالف نتنياهو – أبوظبي – واشنطن الذي كان يراهن على تصوير الحركة كطرفٍ رافضٍ لأي تسوية. فجأةً، ظهر أن الطرف الوحيد الذي يرفض الحل السياسي هو إسرائيل نفسها.

في هذا السياق، تحوّل إعلام أبوظبي إلى أداة تعويض سياسي لتغطية الصمت الرسمي. فبينما تتحفظ الخارجية الإماراتية عن التعليق العلني، تتولى المنصات الإعلامية المموّلة منها مهمة شيطنة المقاومة.

نديم قطيش — الذي لطالما روّج لخطاب التطبيع وأمن إسرائيل — قدّم مثالاً واضحاً على هذه الوظيفة الدعائية. خطابه الأخير لم يكن مجرد نقد سياسي، بل هجوم أيديولوجي متكامل يعيد إنتاج الرواية الإسرائيلية التي تساوي بين المقاومة والإرهاب، متجاهلاً المجازر اليومية في غزة.

بموازاة ذلك فإن الموقف العربي والدولي يفضح العزلة الإماراتية، فبينما هرعت العواصم العالمية للترحيب بالموافقة، واعتبرتها العواصم العربية الوسيطة خطوة جادة نحو حل شامل، بدت أبوظبي معزولة دبلوماسيًا في تريثها المريب.

في العلن، تتحدث عن “التهدئة”، لكنها في الخفاء تستمر في مشاريعها الأمنية المشتركة مع دولة الاحتلال في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتستخدم خطاب “السلام الإبراهيمي” لتبرير كل أشكال التطبيع العسكري والاستخباراتي.

وبينما تواصل أبوظبي التردّد والاصطفاف الإعلامي خلف دولة الاحتلال، تمكّنت المقاومة من تسجيل نقطة سياسية متقدمة أعادت تعريف المشهد: فحماس اليوم ليست مجرد فصيل محاصر في غزة، بل فاعل سياسي محوري يفرض شروطه على الإقليم والعالم — بينما انحصر صوت أبوظبي في نباح إعلامي يعكس قلق الحلف الذي بدأ يفقد زمام المبادرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى