تحليلات واراء

حقد الإمارات على المقاومة في أوضح صورة بعد انتهاء حرب الإبادة

مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ووقف حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت أكثر من عامين، كان من المنتظر أن يسود خطاب عربي موحد يُثمّن صمود الشعب الفلسطيني ويُشيد بالجهود التي أنهت الكارثة الإنسانية لكن الإمارات دائما خارج السرب.

إذ أن المفارقة جاءت من إعلام الإمارات الذي أطلق موجة غير مسبوقة من الشماتة والتشويه والتحريض ضد المقاومة الفلسطينية، محاولًا قلب الحقائق وتبييض وجه الاحتلال في لحظة تاريخية شكلت انتصارًا سياسيًا وإنسانيًا للمقاومة بعد حرب الإبادة.

فبدلًا من أن تتصدر عناوين التضامن أو الإغاثة، سارعت المنصات المموّلة من أبوظبي إلى نشر تقارير تُصوّر الاتفاق على أنه “فشل ذريع للمقاومة”، في تجسيد واضح لحقد دفين تجاه كل ما يرمز إلى روح المقاومة والتحرر العربي.

الإعلام الإماراتي… من الانحياز إلى التحريض

لم يكن أداء الإعلام الإماراتي خلال الحرب على غزة محايدًا يومًا، لكن ما أعقب توقيع وقف إطلاق النار أظهر تحوّلًا من التواطؤ إلى الشماتة العلنية.

فقد عنونت قناة سكاي نيوز عربية، المموّلة من أبوظبي، تقاريرها بعبارات من قبيل: “فشل المقاومة في تحقيق أهدافها”، و“نهاية الحرب دون مكاسب لغزة”، في محاولة واضحة لتقويض الرواية الفلسطينية وإلغاء الإنجاز المعنوي والسياسي الذي فرضته المقاومة على الاحتلال.

في المقابل، تجنبت القناة وأخواتها أي إشارة إلى الانهيار الأخلاقي والعسكري لإسرائيل، أو إلى الجرائم الموثقة في المحافل الدولية، مركزة بدلاً من ذلك على تحميل المقاومة مسؤولية الدمار الإنساني في القطاع.

هذا الخطاب – الذي تبنته منصات أخرى مثل العين الإخبارية و24 الإماراتية – أعاد إنتاج النموذج الإعلامي الذي رافق كل عدوان على غزة منذ 2008: تبرير العدوان، تشويه الضحية، وإغفال الجاني الحقيقي.

ويقول مراقبون إن هذا النمط أصبح “السياسة التحريرية الثابتة لإعلام أبوظبي” الذي تحوّل إلى صوت موازٍ للدعاية الإسرائيلية في المنطقة العربية.

عقدة المقاومة… ومركّب النقص الإماراتي

التهجم المتواصل على المقاومة لا يمكن فصله عن عقدة النقص السياسية التي تلاحق القيادة الإماراتية منذ سنوات.

فبينما ارتفعت أسهم دول مثل قطر ومصر وتركيا في إدارة الوساطات وإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار، تجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمامًا ذكر الإمارات، لا تصريحًا ولا تلميحًا، عندما شكر الوسطاء الذين ساهموا في التوصل إلى الاتفاق.

هذا التجاهل لم يكن تفصيلاً، بل صفعة دبلوماسية لمنظومة حاولت على مدى سنوات أن تقدّم نفسها كفاعل رئيسي في ملفات الإقليم، رغم أنها غابت فعليًا عن كل مسار تفاوضي حقيقي.

فالإمارات التي روّجت طويلاً لكونها “صانعة سلام” لم تكن سوى صانعة دعاية، تحاول عبر الإعلام ملء الفراغ الذي يتركه غيابها الفعلي عن الميدان السياسي.

ولأنها لم تُستدعَ إلى طاولة الوسطاء، لجأت بعد وقف الحرب إلى الإنكار والهجوم على المقاومة، علّها تعوّض خسارتها الرمزية بإثارة الشكوك حول من صنع الإنجاز الحقيقي.

الإعلام الإماراتي ويكيبيديا

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، لعب الإعلام الإماراتي دورًا مزدوجًا:

تمهيد للرواية الإسرائيلية عبر تحميل المقاومة مسؤولية “جرّ الحرب” و”توريط المدنيين”.

تبرير أخلاقي للجرائم عبر التركيز على مفردات من قبيل “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهي العبارة التي استخدمها الإعلام الغربي أيضًا لتخفيف وقع المجازر.

لكن الفارق أن هذا الخطاب في الحالة الإماراتية لم يكن مجرد تماهٍ سياسي مع الغرب، بل جزء من مشروع ممنهج لشيطنة كل ما يمتّ للمقاومة بصلة.

فالمقاومة بالنسبة للإمارات ليست فقط تحديًا أمنيًا لإسرائيل، بل نقيضًا رمزيًا لمشروعها الإقليمي القائم على التطبيع والهيمنة الاقتصادية والإعلامية.

ويشير خبراء إلى أن الإمارات، منذ توقيع اتفاق “أبراهام” عام 2020، تبنّت نهجًا يقوم على شيطنة حركات التحرر العربية تحت لافتة “مكافحة التطرف”، في حين تستضيف شخصيات إسرائيلية في مؤتمراتها وتفتح لهم منصات إعلامية واسعة.

وبعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، بدأت ماكينات الإعلام الإماراتي تبثّ بيانات وتصريحات تروّج لرواية جديدة تقول إن “جهود القيادة أثمرت في إحلال السلام”.

لكن الحقيقة – كما يؤكد الدبلوماسيون والوسطاء – أن الإمارات لم تكن طرفًا في أي جولة تفاوضية، لا في القاهرة ولا في الدوحة ولا في أنقرة.

وهذا الادعاء لم يكن سوى محاولة لتزييف الواقع وإقناع الرأي العام الداخلي بأن أبوظبي “ما تزال لاعبًا مؤثرًا”، رغم أنها خسرت رصيدها العربي والشعبي بسبب موقفها المنحاز إلى الاحتلال.

وبينما تنشغل قطر ومصر وتركيا بترتيبات ما بعد الهدنة وإعادة الإعمار، تغرق الإمارات في حملة إعلامية لتعويض فشلها السياسي، تمامًا كما فعلت بعد كل حرب سابقة، حيث تحاول نسب أي تطور إيجابي إلى “تحركات القيادة”، ولو لم تشارك فيه أصلاً.

وفي النهاية، ما بثه الإعلام الإماراتي بعد وقف الحرب لم يكن “تحليلًا سياسيًا” بقدر ما كان تعبيرًا عن حقدٍ سياسي دفين على المقاومة الفلسطينية التي صمدت حيث فشلت الحسابات الإماراتية.

لقد أرادت أبوظبي أن ترى غزة راكعة، فخرجت غزة مرفوعة الرأس. أرادت أن تحتكر خطاب “التسوية والتطبيع”، فإذا بالمقاومة تفرض سلامًا بالندية لا بالاستجداء.

وبينما يكرّم العالم صمود الفلسطينيين ويشكر الوسطاء الحقيقيين، تجد الإمارات نفسها خارج المشهد إلا كمتفرج غاضب يحاول التشويش على انتصار لم يشارك فيه لتجلّى الحقد الإماراتي في أوضح صوره: شماتة في المأساة، وحسد في الانتصار، وإنكار لدورٍ لم تؤده أصلًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى