تحليلات واراء

شبكة أفيخاي تستميت في تشويه قيادة المقاومة حتى اللحظات الأخيرة للحرب

بينما كانت أصوات القصف تخفت في غزة مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، كانت شبكة أفيخاي تستميت في تشويه قيادة المقاومة الفلسطينية حتى اللحظات الأخيرة للحرب.

إذ شنت ـشبكة أفيخاي — الذراع الدعائية الناطقة بالعربية للجيش الإسرائيلي —حملة تضليل جديدة تستهدف قيادة المقاومة، محاولةً تقويض رصيدها الشعبي والسياسي عبر اختلاق روايات كاذبة حول مجريات المفاوضات الأخيرة.

فقد زعمت الشبكة، التي يديرها ناطق الاحتلال أفيخاي أدرعي ومجموعة من الحسابات التابعة له، أن وفد حركة حماس جلس بشكل مباشر مع الوفد الإسرائيلي المفاوض، في خطوة وُصفت بأنها “دليل على ضعف المقاومة واستسلامها”.

لكن هذه المزاعم سرعان ما تهاوت أمام النفي القاطع من حركة حماس وجهات دبلوماسية عربية على صلة بالوساطة، لتنكشف مجددًا الطبيعة الممنهجة لحرب الدعاية الإسرائيلية التي لا تهدف إلى الحقيقة، بل إلى ضرب المعنويات الفلسطينية في لحظة سياسية حساسة.

شبكة أفيخاي ويكيبيديا

لم تعد شبكة أفيخاي مجرد قناة اتصال عسكرية بل تحولت خلال السنوات الماضية إلى آلة حرب نفسية متكاملة.

منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة في أكتوبر 2023، اعتمد أفيخاي أدرعي على مزيج من الرسائل العاطفية والتهديدات المقنّعة والمعلومات المفبركة لاستهداف الجمهور العربي.

ومع اقتراب الحرب من نهايتها، وجدت الشبكة نفسها أمام تحدٍ مزدوج: انهيار السردية الإسرائيلية أمام الجرائم الموثقة في غزة، وتصاعد مكانة المقاومة بعد صمود غير مسبوق.

في هذا السياق، لجأت الشبكة إلى اختلاق قصص تهدف إلى إحداث شرخ داخلي بين المقاومة وبيئتها الشعبية.

الزعم بوجود “مفاوضات مباشرة” بين وفد حماس والوفد الإسرائيلي جاء في هذا الإطار، كمحاولة لإظهار أن قيادة المقاومة “تساوم على دماء الفلسطينيين” بعد عامين من القصف والإبادة.

النفي الرسمي: حقائق تُسقط رواية الاحتلال

فور انتشار المزاعم، أصدرت حركة حماس بيانًا رسميًا أكدت فيه أن المفاوضات تمت عبر وسطاء فقط، وأنها “لم ولن تجلس مع مجرمي الحرب الإسرائيليين على طاولة واحدة”.

وأكد البيان أن كل جولات التفاوض، منذ اتفاقات التهدئة الأولى حتى وقف إطلاق النار الأخير، كانت تتم عبر وسطاء مصريين وقطريين وبحضور أممي، ولم يحدث أي لقاء مباشر بين الوفدين.

كما نقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر دبلوماسية في الدوحة والقاهرة نفيها التام لهذه المزاعم، مشيرة إلى أن الوفود كانت تُنقل من غرفة لأخرى في مواقع منفصلة، وأن الاحتلال نفسه رفض لقاءً مباشراً خوفًا من الاعتراف الضمني بشرعية المقاومة.

وكشف هذا النفي الواضح أن الهدف من حملة شبكة أفيخاي لم يكن نقل المعلومة بل توجيه ضربة معنوية في اللحظة الأخيرة من الحرب، بعد فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، سواء في القضاء على المقاومة أو استعادة الأسرى بالكامل.

التحريض بدل الحقيقة: منهج أفيخاي الثابت

ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها شبكة أفيخاي إلى التحريض عبر الأكاذيب.

فطوال الحرب، نشرت حسابات مرتبطة بها صورًا مفبركة ومقاطع مجتزأة لتصوير قيادات المقاومة كأنهم “مختبئون أو منهارون”، بينما كانت التقارير الميدانية تشير إلى تماسك القيادة السياسية والعسكرية رغم حجم الدمار والاغتيالات.

وقد استخدم أفيخاي خطابًا متناقضًا: في العلن يتحدث عن “المدنيين الأبرياء في غزة” محاولاً إظهار وجه إنساني، وفي المقابل يشرف على نشر مواد دعائية تصف المقاومة بأنها “عصابات تستخدم المدنيين دروعًا بشرية”.

وقد كشف هذا النمط المزدوج بوضوح أن هدف الشبكة لم يكن الإعلام، بل الهندسة النفسية للرأي العام العربي.

وفي الأيام الأخيرة من الحرب، عندما بدأت صور الدمار الجماعي والضحايا المدنيين تملأ وسائل الإعلام العالمية، تحولت شبكة أفيخاي إلى خط الدفاع الأخير عن الرواية الإسرائيلية.

ومع سقوط تلك الرواية، حاول أفيخاي عبر “أخبار كاذبة” عن المفاوضات أن ينقل المعركة من الميدان إلى الوعي، بعد أن خسر الاحتلال الميدان نفسه.

والمفارقة أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت تشكك في صدقية الخطاب الرسمي.

صحيفة هآرتس مثلاً، وصفت خلال الأيام الأخيرة “المنصات العربية للجيش” بأنها أدوات تضليل داخلية وخارجية، وقالت إن المبالغة في الدعاية أفقدت (إسرائيل) صدقيتها حتى لدى جمهورها.

هذا الاعتراف من داخل المشهد الإسرائيلي يعكس إدراكًا متأخرًا بأن الحرب الإعلامية الإسرائيلية تحولت إلى سلاح مرتدّ بعد أن اصطدمت بواقع المذابح في غزة وبصمود الرواية الفلسطينية.

ويقول محللون إن إصرار شبكة أفيخاي على اختلاق أكاذيب في الساعات الأخيرة للحرب يعكس خوف الاحتلال من انتصار المقاومة في معركة السردية.

فبينما فشلت دولة الاحتلال في تحقيق أهدافها العسكرية، تمكنت المقاومة من فرض نفسها طرفًا سياسيًا على طاولة المفاوضات عبر وسطاء دوليين.

وهذا الاعتراف غير المباشر بشرعية المقاومة هو ما أرعب المؤسسة الإسرائيلية، فدفعت بأذرعها الإعلامية لتصوير الأمر كأنه “خضوع من حماس” بدلاً من إنجاز سياسي يُحسب لها.

ويؤكد مراقبون أنه رغم انتهاء الحرب عسكريًا، فإن معركة الوعي لم تنتهِ بعد. فشبكة أفيخاي وأمثالها ستواصل محاولاتها لتشويه المقاومة والتقليل من إنجازاتها، مستخدمة كل أدوات التضليل الممكنة من صور مفبركة إلى شائعات ممنهجة.

لكن ما أظهرته تجربة العامين الأخيرين أن وعي الشارع العربي والفلسطيني تطوّر بدرجة عالية، وأن الأكاذيب التي كانت تمرّ في الماضي باتت اليوم تُفضح في دقائق على يد النشطاء والمواطنين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى