أفيخاي أدرعي يكرّم عملاءه… والتعليقات تفضح دورهم

انتشر في الساعات الأخيرة مقطع فيديو يُظهر الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي وهو يكرّم مجموعة من الشخصيات الإعلامية والسياسية العربية، ضمن ما وُصف بـ”احتفال تكريمي لعملاء شبكة أفيخاي”، في مشهد تم إنتاجه بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ورغم أن المقطع ليس حقيقيًا، فإن مضمونه الرمزي أطلق عاصفة من النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، وفتح مجددًا ملف “جيوش الدعاية الموازية” التي تعمل لصالح الرواية الإسرائيلية في الفضاء العربي، خصوصًا خلال الحرب على غزة.
فالفيديو – بحسب ما يظهر – لا يهدف إلى السخرية أو المزاح فحسب، بل إلى تعرية البنية الإعلامية التي شيّدها الاحتلال عبر أذرع ناطقه الرسمي أفيخاي أدرعي، الذي بات خلال السنوات الأخيرة واجهة دعائية تخاطب العرب بلغتهم، وتستغل بعض الأصوات العربية لتسويق روايته وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
يظهر في الفيديو عدد من الأسماء التي أثارت الجدل سابقًا بسبب مواقفها المتماهية مع الرواية الإسرائيلية، أو بسبب دورها في تضليل الرأي العام خلال الحرب على غزة. ومن بين هؤلاء:
أيمن العالول، معتز العزايزة، مصطفى عصفور، حمزة المصري، محمد منذر البطة، أيمن خالد، شهيرة جرار، مصطفى كريرة، سلوان عيسى، أمجد أبو كوش، باسم عثمان، ثائر أبو بكر، أمين عابد، هديل عويس، ومنير الجاغوب القيادي في حركة فتح.
ووفق ناشطين فلسطينيين، فإن هذه الأسماء تمثل شبكة إعلامية غير رسمية مرتبطة بخطاب أفيخاي أدرعي، تُعاد تدوير محتواها على صفحات ناطق الجيش ومتابعيه في المنطقة.
ويؤكد هؤلاء أن أدرعي لا يعتمد فقط على ما يصرّح به عبر حساباته الرسمية، بل على مئات الحسابات والمنصات العربية التي تنشر رسائله بشكل “طبيعي” لتبدو كأنها آراء محلية مستقلة.
ردود الفعل: غضب وسخرية… ووعي متزايد
ما إن انتشر المقطع حتى اشتعلت المنصات بتعليقاتٍ غاضبة وساخرة.
فقد كتب أحد النشطاء على منصة “إكس”: “من الطبيعي أن يكرّم أفيخاي عملاءه… فهم الذين رفعوا صوته في زمن انكسارهم وسقوطهم الأخلاقي.”
وقال آخر: “الطيور على أشكالها تقع، والمرتزقة على شاشات الاحتلال يظهرون.”
وسخر ناشط ثالث قائلاً: “تكريم مستحق لكل من ساهم في تلميع الاحتلال وتشويه شعبه. إنها جائزة العار الجماعية.”
وتعكس هذه الردود تحولًا في وعي الجمهور العربي تجاه أساليب الدعاية الإسرائيلية الجديدة.
فلم تعد الحملات التي تتخفّى وراء شعارات “الإنسانية” و“الحياد الإعلامي” تمرّ مرور الكرام، بل بات المتابعون قادرين على التقاط الخيوط التي تربط بين منشورات هؤلاء المروجين وأجندات أفيخاي أدرعي السياسية والإعلامية.
أفيخاي وشبكة العملاء
منذ ظهوره كناطق باسم الجيش الإسرائيلي قبل أكثر من عقد، اعتمد أفيخاي أدرعي على استراتيجية مزدوجة تقوم على الترهيب العسكري والاختراق الثقافي.
فهو لم يكتفِ بنشر بيانات الجيش أو الرد على الأحداث الميدانية، بل تحول إلى “مؤثر رقمي” بلغة عربية سلسة يستهدف الجمهور العربي بالاقتباسات الدينية والمقولات الأخلاقية، بهدف تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتجميل وجه الاحتلال.
وفي خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، توسعت هذه الاستراتيجية لتشمل ما يمكن وصفه بـ”الذراع المحلية”، وهي مجموعة من الإعلاميين والناشطين العرب الذين يُعاد إنتاج خطابهم داخل المنصات الإسرائيلية، ويُستخدمون لتبرير جرائم الاحتلال أو للتشكيك في شرعية المقاومة.
ويرى باحثون في الإعلام الرقمي أن أدرعي لا يعمل بمفرده، بل ضمن غرفة عمليات متكاملة في جيش الاحتلال تُعرف بوحدة “الناطق بالعربية”، تُنسّق مع حسابات عربية “صديقة” في عدة دول، تنشر مضامينه تحت عناوين إنسانية أو سياسية.
ويؤكد هؤلاء أن هذه الحرب الناعمة تشكّل الوجه الآخر للعدوان العسكري على غزة، هدفها ضرب المعنويات وإضعاف الثقة بالمقاومة.
اللافت أن الفيديو الذي انتشر لم يكن عملاً إسرائيليًا، بل إنتاجًا ساخرًا من ناشطين عرب استخدموا الذكاء الاصطناعي لإظهار “تكريم العملاء”.
لكن المفارقة أن السخرية تحوّلت إلى أداة توعية جماعية؛ إذ كشف المقطع حجم الاشمئزاز الشعبي من هؤلاء، وأعاد توجيه النقاش نحو المعركة الإعلامية الخفية التي رافقت الحرب العسكرية على غزة.
فبينما يسعى الاحتلال لاستخدام التكنولوجيا لتزييف الوعي، يستخدمها النشطاء اليوم لإعادة توجيه السردية نحو الحقيقة.
وبهذا المعنى، جاء الفيديو كفعل مقاومة رقمية يفضح تناقض الخطاب الإسرائيلي ويعرّي أدواته التي تحاول الاندماج في المشهد الإعلامي العربي.
سقوط الأقنعة
يُجمع المراقبون على أن الفيديو – رغم طابعه الساخر – يحمل رسالة سياسية عميقة:
أن الحرب في غزة لم تنتهِ فقط على الأرض، بل بدأت مرحلة الحساب الإعلامي لكل من ساهم في تبرير الإبادة أو نشر الأكاذيب الإسرائيلية.
لقد باتت أسماء “المُكرَّمين” في المقطع عنوانًا لمرحلة كاملة من الاصطفاف الإعلامي مع الاحتلال، وهي مرحلة لن تُمحى بسهولة من ذاكرة الشارع العربي.
أما أفيخاي أدرعي نفسه، فيبدو أنه فقد الكثير من بريقه الدعائي، بعد أن تحولت وسائله إلى مادة سخرية، وفقدت روايته قدرتها على الإقناع في ظل مشاهد الدمار والمجازر التي وثقها الإعلام المستقل في غزة.
ويؤكد المراقبون أنه مهما حاولت دولة الاحتلال شراء الأصوات أو تجنيد المرتزقة، فإن وعي الشعوب العربية – وخاصة الفلسطينية – أثبت أنه أكثر صلابة من بروباغندا أفيخاي وشبكته.
فالفيديو الذي بدأ كفكرة ساخرة تحول إلى بيان شعبي ضد الخيانة والتطبيع، ورسالة مفادها أن من يتبنّى رواية القاتل لا يمكنه الاختباء خلف شعارات “الحياد”.
فقد انتهى زمن تلميع الاحتلال بوجوه عربية، واليوم، بينما تكرّم دولة الاحتلال أدواتها في الظل، يكرّم الشعب الفلسطيني مقاومته في العلن، بين الركام والدم والكرامة، وهذا هو الفرق بين من يخدم قضية وطنه، ومن يبيعها بثمنٍ بخس تحت راية أفيخاي أدرعي.