مقال| انقلاب العتيق ومشعوذيه على الدستور خيانة لن تكتمل

بقلم: المحامي الدكتور عصام عابدين والمستشار القانوني السابق لرئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني
الحقيقة المُغيّبة
لسنا بلا دستور ولا قوانين. فالقانون الأساسي الفلسطيني المعدل من أرقى الدساتير في المنطقة، والمجلس التشريعي الفلسطيني أقرّ قوانين عظيمة مثل قانون السلطة القضائية. لكن الخلل لم يكن في النصوص، بل في احتقارها وإفراغها من مضمونها على يد العتيق المنتهية ولايته، وعصابته التي حوّلت الوطن إلى مسرح عبثي، بينما ارتضى كثيرون أن يُساقوا كالقطيع في مملكة الشعوذة.
جريمة تغييب الشرعية
منذ العام 2007، عُطّل البرلمان الفلسطيني، وأفشل العتيق كل محاولات انعقاده، وحجب الانتخابات بذرائع واهية. ثم ارتُكبت الجريمة الدستورية الكبرى عام 2018 حين أصدرت محكمته الدستورية التي شكلها في ظل الانقسام قراراً غير شرعي بحل البرلمان. والآن تُفتح الأبواب أمام مشعوذين ليَخطّوا دستور العتيق. إنها خيانة مُكتملة الأركان للعقد الاجتماعي ولإرادة الشعب الفلسطيني.
سقوط شرعية العتيق
انتهت ولاية العتيق منذ سنوات وعليه أن يرحل. وهو يعلم أن صلاحيات الرئيس شكلية في القانون الأساسي. لكنه لم يحتمل أن يظل مُقيداً ومُحاصراً بدستور يضع الأمة فوق الفرد، فحاول تعديله مِراراً بعد أن كان رئيساً للوزراء وفشل.
واليوم لا يجد سوى مراسيم هزيلة ولجان ظل وغرف مُظلمة ليحتمي بها، في محاولة بائسة للإطاحة بالدستور الفلسطيني وصياغة “دستوره” الخاص. لكنه لا يملك من الشرعية إلا وهماً، ولا من السلطة إلا زيفاً، سيفشل حتماً هو وعصابته، ويبقى قانوننا الأساسي الفلسطيني العظيم عصيّاً على الانكسار.
الانقلاب الدستوري
ما يجري اليوم ليس إلا استكمالاً لانقلاب مكتمل الأركان. يحاول العتيق أن يُوهم الناس أنه موجود بعد نحو عامين من الإبادة الجماعية، كفرعون من ورق يتهاوى، مُستغلاً سيطرته على السلطات الثلاث، وعلى المجتمع المدني، والمنظمات الأهلية، والهيئة المستقلة، والجامعات، إلا مَن رحم ربي. إنه زمن الانحطاط، حيث يُغتال الدستور بمرسوم سخيف من رئيس منتهي الصلاحية، وتُذبح الشرعية بسكين باردة، ويُختطف الشعب من دوره الطبيعي كمصدر للسلطات والسيادة.
الخاتمة
ومع ذلك، سيبقى جدار القانون الأساسي الفلسطيني الفولاذي عصيّاً على مملكة الشعوذة، ولن يلدوا منه إلا سراباً. ولا مخرج من زمن الانحطاط إلا بعصيان مدني شامل، يُعيد للشعب الذي سِيق كالقطيع سيادته المسلوبة، ويعيد للشرعية الدستورية مكانتها، ويُثبّت حقه المقدّس في تقرير المصير. وعلينا أن نُدرك أن الحق لا يُسترد بالرجاء، بل بالفعل. وأن مملكة الشعوذة لا تُهدم إلا بإرادة الناس الأحرار.