قناة العربية.. واجهة تشويه صورة المقاومة وتبرئة الاحتلال

في كل محطة من محطات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وعند كل بارقة أمل باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تتجدد المحاولات الإعلامية لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية استمرار العدوان، رغم أن الوقائع على الأرض تكشف بوضوح أن الاحتلال هو الطرف المعرقل لأي حل سياسي أو إنساني.
وفي مقدمة هذه المحاولات، تأتي قناة “العربية” الممولة من السعودية، التي ما فتئت تنتهج خطًا تحريضيًا ممنهجًا ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس وكتائب القسام، متبنية سرديات الاحتلال الإسرائيلي دون تمحيص أو توازن.
من الحرب إلى المفاوضات: خط تحريضي ثابت
منذ اليوم الأول لبدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، تبنت قناة “العربية” نهجًا عدائيًا واضحًا تجاه المقاومة، فاستضافت محللين يكررون رواية الاحتلال، ووصفت العمليات الدفاعية للمقاومة بأنها “مغامرات”، وتحدثت عن غزة بلغة تنزع عنها طابعها الوطني المقاوم، وتختزلها في فصيل واحد تُحمّله وحده نتائج العدوان.
لكن ما يثير القلق أكثر هو أن هذا التحريض لم يتوقف مع تطورات الحرب، بل تصاعد مع كل تقدم في المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
ففي كل مرة تخرج فيها تقارير عن تقارب في المواقف أو تفاؤل دولي حذر بقرب التوصل إلى اتفاق، تسارع “العربية” إلى نشر تقارير تنسب فيها العرقلة إلى شخصيات قيادية في المقاومة، في محاولة لتثبيت سردية مفادها أن الفصائل الفلسطينية هي من تُطيل أمد الحرب وتمنع التهدئة، لا إسرائيل.
الحداد كـ”عقبة جديدة”: نموذج للهجوم الممنهج
أحدث هذه المحاولات تمثلت في تقرير نشرته “العربية” زعمت فيه أن القيادي في كتائب القسام عز الدين الحداد “يقف عقبة أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، على خطى سابقيه”، في إشارة ضمنية إلى قيادات أخرى للمقاومة سبق اتهامها بالتشدد أو تعطيل التفاهمات.
اللافت أن التقرير جاء متزامنًا مع تسريبات دبلوماسية عن تقدم نسبي في محادثات التهدئة بوساطة أميركية-مصرية-قطرية.
وبينما كانت معظم وسائل الإعلام الدولية تتحدث عن مقترحات جديدة ومرونة نسبية من الطرفين، اختارت “العربية” أن توجه سهامها نحو شخصية ميدانية مقاومة، لتغذّي فكرة أن هناك جناحًا متطرفًا داخل حماس يقود غزة إلى الهاوية.
هذا النمط من التحليل الإعلامي ليس بريئًا، بل يعكس توجهًا استراتيجيًا لدى القناة يتمثل في دعم الخطاب الإسرائيلي الذي يسعى دائمًا إلى تصوير المقاومة كعقبة أمام الحلول، وتبرئة دولة الاحتلال من جرائمها ومن مسؤولية إفشال الاتفاقات، رغم أن الحكومة الإسرائيلية – بقيادة نتنياهو – هي التي ترفض وقف إطلاق النار قبل “تصفية حماس”، بحسب تصريحاتها العلنية.
منابر التحريض والتسويق السياسي للاحتلال
ليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها قناة “العربية” فصائل المقاومة بشكل مباشر.
فمنذ بداية العدوان، خصصت القناة تغطيات موسعة تُبرز القتلى الإسرائيليين على أنهم ضحايا وتبث قصصًا من الداخل الإسرائيلي، بينما تغيب عن شاشتها الجرائم اليومية في غزة أو تُختزل في أخبار عابرة، غالبًا دون صور أو شهادات حية.
كما ركّزت القناة على بث تقارير تدّعي وجود “تمرد شعبي” في غزة ضد المقاومة، واحتجاجات ضد حكم حماس، في وقت كانت غزة تعيش تحت القصف، والمجتمع الفلسطيني يصطف خلف المقاومة بوصفها خط الدفاع الأخير في وجه الإبادة.
ومع أن العمل الإعلامي من المفترض أن يستند إلى معايير مهنية في التغطية، والحياد، والاعتماد على مصادر متعددة، فإن “العربية” خرقت هذه القواعد بشكل صارخ، وحوّلت شاشتها إلى منبر لتحريض سياسي وأمني ضد المقاومة، بما يخدم بشكل مباشر الاستراتيجية الإسرائيلية التي تسعى إلى فصل المقاومة عن الحاضنة الشعبية، وضرب الروح المعنوية للفلسطينيين.
تحالف إعلامي ضد غزة
ما تقوم به قناة “العربية” لا يمكن فصله عن التوجهات السياسية الأوسع لبعض الدول العربية التي اختارت منذ سنوات نهج التطبيع مع إسرائيل، وبدأت تهيئة رأي عام داخلي من خلال شيطنة فصائل المقاومة، ووصمها بـ”الإرهاب”، وربطها بـ”المغامرات” التي تجلب الدمار، في تجاهل تام للاحتلال المستمر والاستيطان والحصار.
ويشير مراقبون إلى أن هذا الخط الإعلامي ليس فقط خضوعًا للضغوط السياسية الغربية أو الإسرائيلية، بل هو انعكاس لتحالف إقليمي غير معلن بين بعض الأنظمة العربية ودولة الاحتلال، هدفه النهائي تقويض أي مشروع مقاوم، وتمهيد الأرض لتصفية القضية الفلسطينية سياسيًا، تحت مسمى “السلام الإبراهيمي” أو “شرق أوسط جديد”.
مسؤولية مهنية وأخلاقية غائبة
الإشكالية الأخطر في أداء قناة “العربية” لا تتعلق فقط بانحيازها السياسي، بل بتجاوزها للحد الأدنى من المهنية، حين تتحول من قناة إخبارية إلى أداة تشهير وتحريض.
فاتهام قيادات المقاومة بعرقلة اتفاقات التهدئة دون تقديم أدلة موثوقة أو سياقات سياسية دقيقة، هو في حد ذاته تشويه متعمد يمكن أن يعرّض هؤلاء القادة لخطر التصفية أو الاعتقال.
كما أن تحميل المقاومة وحدها مسؤولية استمرار الحرب يتجاهل الحقائق الميدانية والسياسية، ويتعامى عن الرفض الإسرائيلي المتكرر لأي وقف لإطلاق النار لا يشمل “القضاء الكامل على حماس”، وهو هدف عبّرت عنه الحكومة الإسرائيلية علنًا.
وعليه فإن قناة “العربية”، بما تبثه من تحريض وتحريف، لم تعد تكتفي بالتحامل على حماس أو القسام، بل تتورط في تقويض الرواية الفلسطينية بشكل عام، وتشارك – من حيث تدري أو لا تدري – في حرب نفسية تستهدف الفلسطينيين في لحظة وجودية من الصراع.
ومع استمرار العدوان، وتزايد الجرائم بحق المدنيين، فإن مثل هذا الأداء الإعلامي يُعد تواطؤًا مكشوفًا مع الجريمة، يضع القناة في خانة أدوات الحرب لا وسائط الإعلام.