تحليلات واراء

سرديات فتح والاحتلال: اصطفاف مكشوف ضد المقاومة

في لحظة تاريخية يواصل فيها الفلسطينيون خوض معركة وجودية ضد الاحتلال الإسرائيلي، برزت سردية خطيرة تتقاطع فيها لغة حركة فتح مع خطاب الاحتلال في اصطفاف مكشوف ضد المقاومة وقياداتها.

وقد استهدفت هذه السردية جوهر المقاومة، وظلت تحاول تصوير قادتها كمنفصلين عن شعبهم، يعيشون في “فنادق قطر” بعيدًا عن آلام المواطنين الفلسطينيين وغير آبهين بجراحهم أو معاناتهم.

غير أن هذا الخطاب، الذي يتم تسويقه عبر أبواق مأجورة ووسائل إعلام مرتبطة بالسلطة وأجهزة الاحتلال، ينهار أمام حقائق دامغة تُظهر أن المقاومة دفعت من دماء قادتها وأبنائهم ما يعجز خصومها عن دفع عُشره.

سردية “الفنادق” وواقع الدم

يردد خصوم المقاومة أن قيادتها تعيش في بحبوحة، غير معنية بما يعيشه أهل غزة من تجويع وقصف وحرمان. غير أن الوقائع الميدانية تكشف تناقضًا صارخًا:

رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية استشهد، وقد سبقه أبناؤه وأحفاده في مسيرة الدم التي لم تفرّق بين القائد والجندي.

صالح العاروري، قائد العمل المقاوم في الضفة الغربية، اغتيل في قلب الضاحية الجنوبية ببيروت، بعد أن وضع الاحتلال رأسه على قائمة المطلوبين.

رئيس حماس في غزة يحيى السنوار قاتل حتى آخر نفس، واستشهد في الميدان كمقاتل، لا كسياسي منعم.

قائد أركان كتائب القسام محمد الضيف، رمز العمل العسكري، استشهد مع رفاقه الذين صنعوا توازن الردع وألحقوا بإسرائيل خسائر لم تشهدها منذ عقود.

وقبل يومين نجا عدد من قادة العمل المقاوم في غزة من محاولة اغتيال إسرائيلية، بينما استشهد همام الحية نجل رئيس الوفد المفاوض لحماس خليل الحية، ليكمل مسيرة أشقائه الذين ارتقوا في معارك سابقة.

وتفند هذه الوقائع تمامًا سردية “النعيم في الفنادق”، إذ إن قيادات الصف الأول للمقاومة استشهدوا بنفس الطريقة التي يُستشهد بها عامة الشعب، ببيوتهم، مع أسرهم، أو في خطوط المواجهة. بل إنهم قدّموا أبناءهم وأحفادهم قرابين على مذبح الحرية، وهو ما لم يفعله أي من مدّعي الوطنية في رام الله.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

إذا كان ثمة “منعمون” حقًا، فهم ليسوا قادة المقاومة الذين يشيّع شعبهم أبناءهم كل أسبوع، بل هم أصحاب القصور في المقاطعة في رام الله، الذين ينسّقون أمنيًا مع الاحتلال، ويقتاتون على معاناة شعبهم:

محمود عباس، رأس السلطة، يعيش محاطًا بحراسة مشددة، يتنقل بين المقرات الرئاسية والطائرات الخاصة، دون أن يتأثر بحصار أو قصف.

حسين الشيخ وأقرانه من “سماسرة التنسيق الأمني” يتقاسمون النفوذ والمصالح مع الاحتلال، بينما يتركون الشعب يواجه وحده المجاعة والبطش العسكري.

الطبقة المتنفذة في السلطة، من وزراء ورجال أعمال، باتت تعيش على الريع السياسي القادم من الاحتلال والداعمين الدوليين، في حين يفتقر المخيم إلى أبسط مقومات العيش.

إنها المفارقة الصارخة: من يضحون بأنفسهم وأبنائهم متهمون بالترف، ومن يرفلون في الترف يقدَّمون كقادة الشرعية.

تماهي فتح مع خطاب الاحتلال

خطاب فتح في هذه المرحلة لم يعد مجرد “مناكفات سياسية” مع خصومها، بل تحول إلى تطابق شبه كامل مع رواية الاحتلال. كلاهما يروّج لفكرة أن المقاومة “تختبئ خلف المدنيين” وأن قادتها “يعيشون بأمان بعيدًا عن الخطر”، وهي نفس الرواية التي تبثها وزارة الخارجية الإسرائيلية في عواصم الغرب.

الهدف واضح: إضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية عبر زرع الشك بين الشعب ومقاومته، وإرضاء الاحتلال الذي يرى في هذه الأصوات صدى لخطابه، إلى جانب الحفاظ على التمويل الدولي للسلطة عبر إظهارها كبديل “عقلاني” مقابل المقاومة “المتطرفة”.

لكن الحقيقة الميدانية أن الاحتلال لم يفرّق يومًا بين قائد ومواطن. الطائرات التي قصفت بيوت هنية والسنوار والضيف والعاروري هي نفسها التي دمرت بيوت آلاف الفلسطينيين المجهولين.

دماء القادة وشرف الرواية

منذ بداية حرب الإبادة المستمرة على غزة، لم يتوقف الاحتلال عن استهداف الصف الأول من قيادة المقاومة داخل القطاع وخارجه.

ويؤكد المراقون أن هذا النزيف القيادي يثبت أن القادة لم يختبئوا، ولم يتركوا شعبهم، بل ظلوا في الميدان حتى ارتقوا. هذه التضحيات لا يمكن أن تُشطب بسردية إعلامية ممولة، ولا يمكن أن تُطمس بأقلام مأجورة.

وحين يستهدف القادة وتغتال عوائلهم، يصبح من العبث اتهامهم بالانفصال عن هموم الناس. وحين يرتقي القادة أنفسهم، يسقط كليًا خطاب “الترف” و”الفنادق”.

لكن رغم وضوح الحقائق، يصرّ البعض على ترديد سردية الفنادق والترف، حتى بعد أن امتلأت مقابر غزة بجثامين القادة وأبنائهم.

وبحسب المراقبين فإن هؤلاء ليسوا سوى أبواق مأجورة، يعيشون على فتات الاحتلال، ويكررون روايته بحرفيتها. هم، في الحقيقة، أضل من الاحتلال نفسه، لأن الأخير عدو ظاهر، أما هم فخنجر في ظهر شعبهم.

وفي نهاية المطاف، تبقى الحقائق أوضح من كل حملات الدعاية: قيادة المقاومة قاتلت واستشهدت مثلها مثل أبناء الشعب الفلسطيني. دفعت من دمها ومن دم أبنائها ثمنًا للحرية، بينما قادة السلطة يتمسكون بالكراسي والامتيازات.

وإن خطاب “الفنادق” ليس سوى محاولة يائسة لتشويه من يدفعون دمهم في الميدان، وصناعة شرعية زائفة لسلطة تنعم في التنسيق والقصور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى