محمد التلولي: أداة رخيصة في ماكينة الدعاية الإسرائيلية للتحريض على شعبه

في خضم العدوان الإسرائيلي الشامل ضد الفلسطينيين شعبا وقضية، يطفو اسم المدعو محمد التلولي إلى السطح، كوجه من وجوه ماكينة الدعاية الإسرائيلية الخارجية.
إذ أن ظهور التلولي في أروقة البرلمان الأوروبي إلى جانب الباحث الإسرائيلي روني شاكيد، وتقديمه شهادات تحريضية ضد وكالة الأونروا ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية، يطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة الدور الذي يؤديه، وحول السياقات التي سمحت بتحويل معاناة شخصية إلى منصة دعائية تستهدف تشويه صورة الفلسطينيين أمام العالم.
محمد التلولي ويكيبيديا
عرف التلولي سابقًا كأحد الوجوه البارزة في ما عُرف بـ”حراك بدنا نعيش” في غزة، وهو حراك وُصف بأنه عفوي احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية، لكنّه سرعان ما ارتبط باتهامات بالاختراق والتوظيف السياسي.
فبدل أن يشكّل حالة نضالية صادقة لرفع الحصار، تحوّل إلى ساحة لاختراق الأجهزة الاستخبارية، التي رأت فيه مدخلًا لإعادة إنتاج سردياتها.
اليوم، وبعد سنوات قليلة، يظهر التلولي من جديد لكن على منصة مختلفة تمامًا: البرلمان الأوروبي.
لم يرفع التلولي صوته ضد الاحتلال أو الحصار أو الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهله، بل اصطف بجانب باحث إسرائيلي بارز في جهاز الدعاية الصهيونية ليهاجم المناهج التعليمية الفلسطينية، ويصفها بأنها “مفرخة للإرهاب”.
والمفارقة المؤلمة أن دولة الاحتلال نفسها قتلت والد محمد التلولي في بداية الحرب بينما كان في منزله، وقتلت شقيقته التي كانت تسعف الجرحى في مخيم جباليا.
وهنا يثار التساؤل: كيف يمكن لمن فقد أفراد عائلته على يد جيش الاحتلال أن يتحول لاحقًا إلى شاهد يُستخدم لتبييض صورة هذا الجيش وتشويه صورة أبناء شعبه؟.
ويكشف هذا التحول قدرة المخابرات الإسرائيلية على اختراق البنى النفسية والاجتماعية الهشة لبعض الأفراد، وتحويلهم إلى أدوات بيدها. إنها سياسة “إخضاع الضحية”؛ حيث يُستغل الألم الشخصي، والشعور بالخذلان، وربما الطموح الشخصي غير المحقق، لتجنيد أفراد ضد مجتمعهم.
الدعاية الإسرائيلية والهدف: الأونروا والتعليم
لم يكن اختيار التلولي عشوائيًا، فدولة الاحتلال تدرك أن ملف المناهج التعليمية الفلسطينية هو أحد أكثر الملفات حساسية في الغرب.
فعلى مدار سنوات، حاولت الدبلوماسية الإسرائيلية الدفع باتجاه وقف تمويل الأونروا أو إعادة صياغة مناهجها، بحجة أنها “تغذي التطرف”.
وهنا، يمثل التلولي “الشاهد المحلي” الذي يمكن أن يضفي مصداقية زائفة على هذه السردية. فعندما يقف فلسطيني في البرلمان الأوروبي ويقول إن الأونروا ووزارة التربية “تعلمان الإرهاب”، فإن أثره على الرأي العام الغربي يختلف تمامًا عن تصريح يصدر من دبلوماسي إسرائيلي. وبذلك يتحول التلولي إلى حصان طروادة داخل النقاش الأوروبي.
لكن المفارقة الفاضحة أن الرجل الذي يُستخدم اليوم لتشويه التعليم الفلسطيني، لم يكمل تعليمه الأساسي، ويُقال إنه رسب في المرحلة الابتدائية، بالكاد يجيد القراءة والكتابة.
أي أن شهادته لا تقوم على خبرة معرفية أو أكاديمية، بل على سردية مُعلّبة صاغتها الدعاية الإسرائيلية وألقتها على لسانه.
وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكن لشخص لم يعرف قيمة التعليم ولم يذق ثماره أن يُمنح منصة لمهاجمة منظومة تعليمية تخدم ملايين الأطفال الفلسطينيين؟ إنها ببساطة مهزلة سياسية وأخلاقية.
التلولي وشبكة “الجواسيس الصغار”
التلولي ليس حالة معزولة بل جزء من شبكة أوسع تضم أفرادًا يعانون من إحساس بالدونية أمام الغرب والإسرائيليين، ويحملون نزعة انتقامية من مجتمعهم. هؤلاء يتحركون بدوافع مركبة: بعضها مادي، وبعضها نابع من شعور بالإقصاء أو الإخفاق، وبعضها الآخر نتيجة عمل منظم للأجهزة الإسرائيلية.
المفارقة أن هذه الشبكة هي نفسها التي هاجمت الناشط نزار بنات وغيره عند المطالبة بتجميد تمويل السلطة الفلسطينية بسبب ممارساتها للقمع الشديد ضد الحريات العامة.
لكن حين يقف التلولي ليطالب بتجميد تمويل الأونروا والتعليم الفلسطيني – وهو أخطر بكثير – فإن هؤلاء يلتزمون الصمت، أو يبررون، أو يلتفون حوله. إنها ازدواجية تكشف حجم التورط والانحطاط الأخلاقي.
كما أن وجود التلولي مع روني شاكيد في بروكسل يعكس استراتيجية إسرائيلية ممنهجة. فالدعاية الصهيونية لم تعد تعتمد فقط على دبلوماسييها أو باحثيها، بل على تجنيد “أصوات محلية” تُستخدم كأدلة بشرية في حملاتها.
هذه الأصوات تمنح روايتها مسحة من “الشرعية” وتخترق حصانة الرأي العام الغربي ضد خطاب الاحتلال.
التلولي هنا مجرد ترس صغير في ماكينة كبيرة، تضم سياسيين وإعلاميين ومراكز أبحاث ومنظمات واجهة. لكنها في النهاية تصب في هدف واحد: تشويه صورة الفلسطيني المقاوم، وتفكيك روايته التاريخية والإنسانية.