هاشم العامر يتطاول على المقاومة في محاولة مفضوحة لتبييض صورة الاحتلال

أثار خطاب الإعلامي الأردني العضو في “شبكة أفيخاي” هاشم العامر أخيراً موجة استياء واتهامات حادّة بين نشطاء ومراقبين، بعدما وصَف المقاومة الفلسطينية بمصطلحات تقلل من شرعيتها، ورَفَض قراءة الواقع الميداني والسياسي في غزة بموضوعية.
وعمد العامر المعروف بتحريضه على المقاومة وسلاحه، إلى اختزال المقاومة في «مليشيات» في تبني لرواية الاحتلال وتحريضه السافر على المقاومة ودورها.
وفي منشور حديث له حاول العامر تحميل فصائل المقاومة مسئولية العدوان الإسرائيلي سواء في غزة أو لبنان وأن إعادة احتلال أجزاء منهما سببه وجود سلاح المقاومة!.
ويبرز مراقبون أن المقاومة في السياق الفلسطيني ليست ظاهرة أحادية البُعد؛ بل هي مجموع تيّارات فصائلية وجماهيرية تمثل استجابة تاريخية للاحتلال وتستند إلى تراكمات سياسية وشعبية.
وتسمية المقاومة بـ«مليشيات» قد تكون مسقِطة للشرعية السياسية والتاريخية لها لدى جمهور واسع، وتخدم رواية تبريرية للتصعيد أو محو أبعاده السياسية.
وكان العامر من أشد المروجين لمغالطة أن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين سيؤدي تلقائيا إلى وقف الحرب على غزة وانسحاب جيش الاحتلال منها.
لكن التطورات أثبتت صحة موقف فصائل المقاومة بأن تبادل الأسرى عنصر تفاوضي مهم، لكنه جزء من سلسلة اتفاقات مرحلية تشمل وقف إطلاق النار، وضوابط أمنية، وترتيبات إنسانية وإعادة إعمار، وقضايا سياسية جوهرية مثل إدارة المعابر ومستقبل المؤسسات في غزة.
ويظهر التاريخ السياسي أن تحقيق استقرار دائم يتطلّب أكثر من مقايضة إنسانية واحدة؛ ويعتمد على توازنات إقليمية ودولية وقرارات داخلية إسرائيلية. لذلك، اعتبار أن تسليم الأسرى كفيل بإخراج الاحتلال بمجرد «تسليم» هو تبسيط مخلّ وواقعيًا مضلل.
في الوقت ذاته فإن لهجة العامر التي تشير إلى “أخذ إسرائيل أجزاءً من غزة ولبنان” متهمة المقاومة بأنها لا تنهي المواجهة إلا بنزع السلاح، تتغاضى عن ملفات إقليمية أخرى حيث تمارس دولة الاحتلال سياسات احتلالية أو توسيع نفوذ من دون مفاوضات تحت النار، كما في بعض مناطق سوريا أو نفوذها البحري.
والانتقائية في اختيار الأمثلة تكشف تحيزًا معرفيًّا وسياسيًّا؛ فالمعالجة المتوازنة تتطلّب ربط المتغيرات الإقليمية والداخلية والاعتراف بأنّ سياسات الاحتلال تتباين وفق مصالح وطروحات دولية وإقليمية.
فضلا عن ذلك فإن الحديث عن مراحل تفاوضية وأدوات ضغط لا بد أن يستند إلى فهم التحالفات الدولية، موقف إدارة واشنطن، دور مصر وقطر وتركيا، وقيادة الفصائل الفلسطينية نفسها.
هاشم العامر ويكيبيديا
على منصّة “إكس”، سجل العامر مواقف متكررة تُشيطن المقاومة بوصفها “خطرًا على الأردن” وتحملها مسؤولية الفوضى، مقابل لهجةٍ مخفَفة تجاه سياسات الاحتلال.
ففي أحد منشوراته، هاجم دعوات التضامن وصورها كاستهداف للأردن لا لإسرائيل؛ وفي آخر، ساوي خصومة عمان مع فصائل فلسطينية بخصومتها مع دولة الاحتلال بما يحول الاحتلال إلى “جار مزعج” لا إلى تهديد وجودي.
هذا التموضع ظاهر في حسابه العلني ويمكن لأي قارئ أن يتتبعه؛ وهو ينسجم مع قاعدة بروباغندا معروفة: تحويل بوصلة الغضب من المصدر الحقيقي للعنف—الاحتلال وحصاره وإبادته—إلى المقاومة التي تُقاومه.
ويؤكد معلقون أن اعتبار أي نداء فلسطيني للتضامن مع غزة بأنه “تدخل” يشطر المجال الشعبي الأردني عن عمقه الطبيعي في فلسطين، بينما تاريخ الجغرافيا والسياسة—والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية—يؤكّد العكس: أمن الأردن مرتبط موضوعيًا بكبح التوسع الإسرائيلي، لا بتأثيم من يقاومه.
وهنا يحسن التذكير بأن القانون الدولي يحظر العقوبات الجماعية و“معاقبة” المدنيين كرد على أفعال مقاومين؛ أي أن حجة “أهل غزة سيدفعون الثمن” لا يجب أن تستخدم لردع المقاومة بل لإدانة من يفرض العقوبة.
كما يجب الانتباه إلى تجلى الخطر في أمرين: أولًا، تثبيت سردية تُلقي اللوم على الضحية (“لو لم تُنفذ العملية لما عوقب الناس”) بدل مساءلة المُعاقب؛ وثانيًا، شق صفّ الجمهور عبر ثنائيات زائفة (“سيادة الأردن” ضد “المقاومة”)، بينما الحقيقة أن تهوين تهديدات التوسع الإسرائيلي يضرب السيادة ذاتها. لهذا يتحوّل خطاب العامر إلى أداة نفسية: يفرغ الغضب الشعبي من وجهته الصحيحة، ويجعل الضحية تخشى الدفاع عن نفسها خشية “الثمن”.
وبالمجمل فإن العامر يصر على وضع نفسه في قلب ماكينة دعائية تريد من الجمهور أن يرى العدو في المرآة الخطأ وتجاهل حقيقة أن حماية الأردن لا تكون بتلميع الاحتلال، بل بتعرية مشروعه؛ وحماية غزة لا تكون بإسكاتها، بل بكسر الحصار ومساءلة من يفرضه وكل ما عدا ذلك ضجيج يغذي “شبكة أفيخاي” ويضعف الرواية العربية في معركة عنوانها الحقيقي: إنهاء الاحتلال وانتزاع الحقوق الفلسطينية والعربية.



