زفاف مؤجَّل يثير عاصفة: نتنياهو يذهل الإسرائيليين بـ”تكلفة شخصية” للحرب

في خضم الحرب المتصاعدة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، وبينما تتساقط الصواريخ على المدن الجنوبية، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريح أثار موجة سخرية وانتقادات عارمة في الأوساط الإسرائيلية، حين وصف تأجيل زفاف ابنه أفنير للمرة الثانية بأنه “تكلفة شخصية” التي تتحملها عائلته في هذه الحرب.
وجاءت تصريحات نتنياهو أمام وسائل الإعلام في ساحة مستشفى “سوروكا” في مدينة بئر السبع المحتلة، عقب تعرضه صباح الخميس لقصف صاروخي إيراني تسبب بإصابات طفيفة.
وخلال حديثه، حاول نتنياهو محاكاة نبرة تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية، قائلاً: “هذا يذكرني بالشعب البريطاني خلال الحرب الخاطفة… نحن نمرّ بحرب خاطفة”.
لكن ما أراد نتنياهو أن يكون لحظة تضامن وطني، تحوّل إلى لحظة انكشاف سياسي. إذ كشف فيها عن تأجيل زفاف ابنه للمرة الثانية، وقال إن خطيبة أفنير كانت محبطة، وكذلك زوجته سارة، مضيفًا: “كل واحد منا يتحمل تكلفة شخصية، ولم تكن عائلتي معفاة”.
سخرية وانتقادات واسعة
ردود الفعل داخل دولة الاحتلال جاءت سريعة وصاخبة. رأى كثيرون أن نتنياهو اختار لحظة غير مناسبة تمامًا للحديث عن مناسبات شخصية، في وقت يعيش فيه آلاف الإسرائيليين في الملاجئ، ويعاني الجنود من ضغوط نفسية متصاعدة، وتخيم على البلاد أجواء الحرب والترقب.
عضو الكنيست عن الحزب الديمقراطي جلعاد كاريف، وصف نتنياهو بأنه “نرجسي بلا حدود”، وقال: “أعرف عائلات لم تضطر إلى تأجيل حفلات الزفاف، لكنها الآن لن تحتفل بها أبدًا، لأن الأبناء قُتلوا في المعارك”.
وأضاف بسخرية لاذعة: “الأطباء الذين يغادرون منازلهم لنوبات العمل ليلاً هم الأبطال، والمعلمون الذين يُبقون الأطفال متماسكين عبر تطبيق زووم هم الأبطال… أما زوجة نتنياهو، فليست بطلة”.
أما عنات أنغريست، والدة الأسير الإسرائيلي ماتان المحتجز في غزة منذ عملية 7 أكتوبر، فكتبت منشورًا غاضبًا على منصة “إكس”، قالت فيه: “ابني أمضى 622 يومًا في زنزانات غزة. لم تمرّ المعاناة على عائلتي مرور الكرام أيضًا، لكننا لا نمتلك رفاهية الحديث عن حفلات الزفاف الملغاة”.
التوقيت المثير للريبة
المفارقة التي لم تغب عن الصحافة العبرية أن حفل الزفاف الذي كان من المقرر أن يُقام يوم الاثنين، سبقه إعلان غير رسمي بأن نتنياهو سيأخذ “إجازة قصيرة” لحضوره.
وقد تزامن ذلك مع شنّ دولة الاحتلال هجومًا جوّيًا مباغتًا على إيران صباح الجمعة، ما دفع بعض المعلقين إلى القول إن طهران ربما أساءت تقدير نوايا تل أبيب بسبب هذه التسريبات.
ورأى الصحافي الإسرائيلي أمير تيبون أن نتنياهو “لا يفوّت فرصة ليُظهر نفسه ضحية حتى في أشدّ لحظات الحاجة إلى قدوة وطنية”، مضيفًا: “السياسيون الذين خسروا أبناءهم في الحرب لا يلفتون الانتباه إلى مأساتهم، لكن نتنياهو يصرّ على تسليط الضوء على نفسه”.
الحرب تتّسع.. والأرقام تتحدث
يأتي هذا الجدل وسط تصاعد الخسائر البشرية. فوفقًا للسلطات الإسرائيلية، قُتل 24 إسرائيليًا حتى الآن نتيجة الهجمات الإيرانية. أما من الجانب الإيراني، فقدّر نشطاء حقوق الإنسان في واشنطن عدد الضحايا المدنيين الإيرانيين بـ263، في حصيلة غير رسمية.
وفي حين يعيش الإسرائيليون حالة تأهب قصوى في الجنوب، ويواجه القطاع الصحي ضغوطًا هائلة، يُصرّ نتنياهو على تقديم نفسه كشخص يدفع الثمن مثل “المواطن العادي”.
لكن النتيجة، بحسب معلقين، جاءت عكسية، إذ بدا منفصلًا تمامًا عن الواقع، بل ومهتمًا بصورة عائلته أكثر من مصير الأسرى أو آلام الثكالى.
الرأي العام: سارة ليست “بطلة”
شريحة واسعة من الإسرائيليين عبّرت عن استيائها مما اعتبروه “تضخيماً درامياً” لمحنة عائلة نتنياهو، وسط بحر من المآسي الحقيقية.
زوجته سارة، التي وصفها نتنياهو بـ”البطلة”، أصبحت موضوعًا للسخرية على وسائل التواصل، إذ أُعيد تداول مقاطع قديمة عنها تتعلق بسوء معاملتها للموظفين ومظاهر البذخ في حياتها اليومية.
ورأى مراقبون أن محاولة نتنياهو إضفاء طابع إنساني على عائلته تأتي في سياق حملة علاقات عامة تهدف إلى ترميم صورته التي تضررت خلال حرب غزة، ثم أزمة إيران، وأخيرًا سلسلة الفضائح السياسية التي تلاحقه منذ سنوات.
وفي لحظة كان يُفترض أن يُجسّد فيها نتنياهو زعيمًا يخاطب أمة جريحة، اختار أن يُظهر نفسه كأب يشتكي تأجيل زفاف ابنه.
النتيجة: رجل فقد القدرة على قراءة مشاعر شعبه، في حرب لم يعد أحد يعرف كيف ستنتهي، لكنها بدأت تكشف من هو القائد ومن هو العاجز عن القيادة.