تحليلات واراء

زيارة سرية إلى أبوظبي: الإمارات تعمّق تحالفها مع الاحتلال رغم الإبادة في غزة

كشفت هيئة البث الإسرائيلية العامة في الساعات الأخيرة عن زيارة سرية أجراها وفد رسمي إسرائيلي رفيع المستوى إلى الإمارات العربية المتحدة في وقت تواصل أبوظبي تعميق تحالفها مع الاحتلال رغم حرب الإبادة في غزة.

وبحسب هيئة البث الإسرائيلية ترأس الوفد الإسرائيلي وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، حيث التقى بمسؤولين إماراتيين كبار لبحث الوضع في قطاع غزة وقضايا أمنية وسياسية.

وتمت الزيارة في وقت حساس للغاية، إذ تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مخلّفةً كارثة إنسانية غير مسبوقة، في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لسياسات الاحتلال.

غير أن اللافت في الأمر ليس مجرد عقد اللقاءات، بل الإصرار الإماراتي على المضي في مسار التطبيع وتعزيز التحالف مع دولة الاحتلال، رغم أن الدماء في غزة لم تجف، والمجاعة والمجازر تتصدر الأخبار.

ويعكس هذا السلوك توجّهًا استراتيجيًا من جانب أبوظبي يقوم على الاصطفاف الكامل مع المشروع الإسرائيلي ـ الأميركي في المنطقة، بما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى استقرار الإقليم ككل.

التطبيع الإماراتي في زمن الإبادة

كان اتفاق “إبراهام” في 2020 نقطة تحول كبرى في العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب.

غير أن حرب الإبادة المستمرة على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وضعت هذه العلاقات أمام اختبار أخلاقي وسياسي حاد.

إذ كان يُفترض أن تؤدي صور المجازر وصرخات الأطفال المحاصرين إلى تراجع أو تجميد العلاقات، لكن ما تكشفه هذه الزيارة السرية هو العكس تمامًا: المزيد من التنسيق الأمني والسياسي، في قلب لحظة الإبادة الجماعية.

بذلك، تقدم الإمارات نموذجًا لما يمكن وصفه بـ”تطبيع ما بعد الدم”، حيث لم يعد الدم الفلسطيني عائقًا أمام التعاون، بل على العكس أصبح ميدانًا للتنسيق والتخادم.

حرب الإبادة في غزة

تشير مصادر متعددة إلى أن الإمارات تلعب دورًا نشطًا في التآمر على فصائل المقاومة الفلسطينية، سواء عبر حملات إعلامية تهدف إلى تشويهها وضرب شرعيتها الشعبية، أو من خلال الدعم المالي واللوجستي لجهات وأطراف محلية تعمل على تقويض بنيتها الاجتماعية والسياسية.

وتتقاطع هذه الجهود مع الرؤية الإسرائيلية التي تسعى إلى إضعاف المقاومة من الداخل وخلق بدائل مشوهة عنها، تمهيدًا لتكريس الاحتلال وإدامة الانقسام الفلسطيني. زيارة ديرمر وأمثاله لا يمكن فهمها خارج هذا السياق: بحث سبل إدارة غزة ما بعد الحرب، وتوزيع الأدوار الإقليمية في هندسة مستقبل القطاع.

وواحدة من أخطر القضايا التي يسلط عليها الضوء، هي تورط الإمارات في تمويل عصابات مسلحة في قطاع غزة، تعمل بشكل متوازٍ مع المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تكريس الفوضى الداخلية.

هذا النهج يسعى إلى تحقيق هدفين متلازمين:

إضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية عبر تغذية الفلتان الأمني.

منح الاحتلال ذريعة لاستمرار السيطرة العسكرية بحجة “غياب البديل المسؤول”.

وبينما يُفترض أن أي دولة عربية تضع استقرار غزة في مقدمة أولوياتها، يبدو أن أبوظبي تساهم في هندسة انهيارها الداخلي بما يخدم المشروع الإسرائيلي.

أبوظبي كوكيل استراتيجي للاحتلال

لا يمكن النظر إلى زيارة الوفد الإسرائيلي السرية بمعزل عن الدور الإماراتي الإقليمي الأوسع. فمنذ سنوات، تطرح الإمارات نفسها كوكيل استراتيجي للولايات المتحدة ودولة الاحتلال في ملفات حساسة، من القرن الإفريقي إلى شرق المتوسط.

وفي السياق الفلسطيني، تسعى أبوظبي إلى أن تكون اللاعب العربي المركزي في تحديد مصير غزة، متجاوزة الأطراف التقليدية مثل مصر أو الأردن.

هذا الطموح يتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية التي ترى في الإمارات شريكًا موثوقًا وقادرًا على لعب أدوار مالية وسياسية يصعب على تل أبيب القيام بها مباشرة.

مأساة غزة ويكيبيديا

كل هذه التحركات تجري بينما يعيش قطاع غزة أسوأ مأساة إنسانية في تاريخه:

أكثر من مليون نازح يعيشون في ظروف بائسة.

المجاعة تضرب الأطفال والنساء في المخيمات.

القصف الإسرائيلي لا يتوقف منذ 22 شهرًا.

ومع ذلك، بدلاً من أن يكون هذا الواقع حافزًا لوقف أي شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال، نجد الإمارات تفتح أبوابها لاستقبال وفود إسرائيلية رسمية، وتناقش معها مستقبل القطاع، وكأنها شريك في صياغة مصير الفلسطينيين.

ومن اللافت أيضًا أن كشف هذه الزيارة جاء من الإعلام الإسرائيلي، فيما يلتزم الإعلام الإماراتي الرسمي الصمت أو يقدّم تبريرات ضمنية. هذا التواطؤ الإعلامي يعكس إدراك الطرفين لحساسية الموضوع، خاصة في ظل الرأي العام العربي الغاضب من جرائم الاحتلال.

لكن الأهم أن هذه التسريبات غالبًا ما تكون مقصودة لإرسال رسالة مزدوجة: تطمين للرأي العام الإسرائيلي بأن علاقاته الإقليمية لم تتضرر بالحرب، وضغط على الأطراف العربية الأخرى لتقبل الأمر الواقع.

كما أن هذا المسار يعني بوضوح أن الإمارات لم تعد ترى في القضية الفلسطينية قضية مركزية أو حتى عائقًا سياسيًا، بل ورقة تفاوضية ضمن هندسة توازنات إقليمية جديدة.

في المقابل، يدفع سكان غزة ثمن هذه التحالفات: مجاعة، قصف متواصل، حصار خانق، وفوضى داخلية يتم تمويلها والتآمر على استمرارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى