فتح تدعم خطط الاحتلال بزرع بذور الاقتتال الداخلي في غزة

تشهد الساحة الفلسطينية تصاعدًا غير مسبوق من التوتر الداخلي، وسط مخاوف متزايدة من أن حركة فتح تدعم، بشكل أو بآخر، الخطط الإسرائيلية الرامية إلى زرع بذور الاقتتال الداخلي في قطاع غزة عبر تلميع وتبييض الميلشيات والعصابات المدعومة إسرائيليا.
وتهدف هذه الخطط، التي يظهر أنها مستوحاة من أساليب استخدمتها دولة الاحتلال في لبنان خلال حرب المخيمات، إلى خلق انقسامات أكبر في قطاع غزة وتحويلها إلى صراع داخلي يضعف المقاومة ويزيد من التفكك السياسي والاجتماعي.
وبحسب مراقبين سياسيين ومصادر محلية، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تكرار تجربة الاقتتال الداخلي التي حدثت في لبنان بين الفصائل الفلسطينية في المخيمات خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، معتمداً على شبكات وجواسيس يتم تصنيعهم تحت إشراف الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، ويمارسون أدوارًا تهدف إلى زرع الفتن بين الفصائل المسلحة في غزة.
تظهر هذه الميليشيات التي يُراد استغلالها في هذا الغرض، سلوكيات مشابهة لتلك العصابات المسلحة التي نشطت في لبنان، من حيث الانقسامات الداخلية والخلافات على الموارد والولاءات.
والغريب في المشهد الحالي هو التفاعل الشعبي مع هذه التحركات، خصوصًا من جانب بعض أنصار حركة فتح، الذين أبدوا تقديرًا فاترًا أو غير نقدي تجاه هذه الممارسات.
إذ أن صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لأنصار الحركة شهدت منشورات تحمل عنوان “كل الاحترام” لبعض العمليات والتصريحات التي ترتبط بشكل مباشر بهذه الميليشيات، وهو ما أثار استغراب المتابعين والمحللين السياسيين الذين وصفوا هذا التفاعل بأنه موقف يتناقض مع مصالح الفلسطينيين الأساسية، ويظهر كيف يمكن للجمهور أن يُخدع أحيانًا أو يتفاعل مع عناصر مشبوهة دون وعي كامل بخلفياتها.
العصابات المسلحة في غزة المدعومة إسرائيليا
تقول مصادر محلية إن المخاطر من هذه الاستراتيجية الإسرائيلية كبيرة جدًا، فهي لا تهدد فقط الأمن الداخلي، بل تقوض بشكل مباشر الوحدة الوطنية الفلسطينية.
فالاقتتال الداخلي يتيح لإسرائيل مساحة أكبر للتحكم في الساحة، سواء من خلال منع أي حشد شعبي موحد، أو من خلال تفكيك قوة المقاومة بداخل القطاع.
ويؤكد محللون أن “إضعاف أي محور مقاوم موحد، وخلق انقسامات في المجتمع المحلي لقطاع غزة، هو هدف واضح ومعلن منذ سنوات، لكن توقيته الحالي مرتبط بتصاعد الضغوط السياسية على نتنياهو داخليًا وخارجيًا”.
ومن الناحية الاستراتيجية، يُظهر هذا السيناريو تشابك المصالح بين فتح ودولة الاحتلال، حيث يمكن للانقسامات الداخلية أن تخدم الجانبين، على الرغم من أن هذا التعاون الضمني على الأقل مثير للجدل داخليًا وخارجيًا.
فالخطر لا يقتصر على التفكك الأمني، بل يمتد إلى تأثيرات اجتماعية على المواطنين الفلسطينيين في غزة، وسط مخاطر تصعيد العنف وانتشار السلاح بين الأحياء المختلفة.
ويشير المحللون إلى أن الحالة النفسية والمجتمعية للسكان في غزة تُفاقم هذه المخاطر، فالضغط اليومي الناجم عن الحصار الاقتصادي، وتداعيات حرب الإبادة، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، يجعل القطاع أكثر عرضة لتفجر النزاعات الداخلية بمجرد توجيه ذرائع صغيرة أو استغلال توترات موجودة مسبقًا.
وتؤكد المصادر أن موقف حركة فتح من هذه الملفات معقد، إذ يبدو أن جزءًا من قياداتها يعتقد أن أي تعاون ضمني مع الاحتلال يمكن أن يحقق مكاسب سياسية داخلية، بينما يعتقد آخرون أن هذه الخطط ستضر بالمشروع الوطني الفلسطيني على المدى الطويل.
ويضيف المحللون أن الجمهور الفلسطيني نفسه مقسوم بين وعي حاد بالمخاطر وبين تفاعل مع عناصر مسيّسة إعلاميًا، ما يخلق بيئة مثالية لتضليل الرأي العام وتشتيت الانتباه عن أولويات الصراع الوطني الأساسي مع الاحتلال.
والرسالة الأبرز التي يُحاول المحللون تمريرها هي أن استمرار فتح في موقف متردد أو داعم ضمنيًا لهذه الميليشيات سيقود إلى زيادة العنف الداخلي، وسيجعل أي مشروع سياسي أو وطني مشروكًا إلى حد كبير، إذ يصبح التركيز منصبًا على الاقتتال الداخلي وليس على تحقيق أهداف التحرر الوطني.
ويؤكد المحللون على أن الإصرار على الوحدة الوطنية والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية، هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه الاستراتيجية الإسرائيلية.
وأي محاولة لتمرير مشاريع الاقتتال الداخلي، أو تصدير نفوذ الاحتلال عبر ميليشيات داخلية، ستعقد المشهد السياسي والإنساني في غزة بشكل أكبر، وستزيد من معاناة السكان المدنيين، الذين يحملون عبء الصراع الأكبر.





