تحليلات واراء

معهد “ميديا لوليتيك”.. واجهة بحثية بتمويل إماراتي للترويج للتطبيع

يقدّم معهد “ميديا لوليتيك” نفسه بوصفه مؤسسة بحثية-إعلامية فلسطينية تنشط “من قلب الشتات” لتفكيك الخطابات السائدة وإعادة بناء سرديات عربية تنطلق من العدالة والكرامة والمعرفة.

غير أنّ تتبّع البنية التمويلية، والشراكات الإدارية، وطبيعة البرامج والأنشطة، يكشف صورة مغايرة تماماً وأنه معهد يعمل من بروكسل بتمويل إماراتي، يستهدف استقطاب فلسطينيين إلى مسارات تطبيعية منسجمة مع الخطاب الإسرائيلي، تحت عناوين أكاديمية وإعلامية مُغرية.

تمويل إماراتي… وأجندة سياسية مشبوهة

تفيد معطيات متقاطعة بأنّ الإمارات تقف خلف تمويل “ميديا لوليتيك”، ضمن سياسة أوسع لتبييض التطبيع وتقديمه كخيار “واقعي” للفلسطينيين، عبر أدوات بحثية وإعلامية تعمل في العواصم الأوروبية.

ويتم التمويل الإماراتي عبر شبكات ومنظمات وسيطة، ما يمنح المعهد هامش حركة وغطاءً مؤسساتياً يسمح له بالتأثير في الفضاء العام الفلسطيني في أوروبا، واستهداف الشباب والناشطين والإعلاميين ببرامج تدريب ومنح ومشاريع “حوارية”.

وقد دأبت أبوظبي على الاستثمار في منصات “القوة الناعمة” لإعادة صياغة النقاشات السياسية الحساسة، خصوصاً ما يتصل بفلسطين، بما ينسجم مع مسار التطبيع الإقليمي ومع الخطاب الإسرائيلي الذي يشيطن المقاومة ويجرّمها أخلاقياً وإعلامياً.

شراكة إدارية مع Third Narrative: تطبيع مُنظَّم

يشترك في إدارة “ميديا لوليتيك” كيان يُعرف باسم Third Narrative، وهي منظمة تنشط في مشاريع “التقارب” و”بناء السردية الثالثة” بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وتُستخدم هذه المقاربة لتذويب التناقض الجوهري بين واقع الاحتلال وحقوق الشعب الفلسطيني، عبر مساواة الضحية بالجلاد، وتقديم الصراع باعتباره “نزاع روايات” لا علاقة له بالاستعمار والاستيطان والقوة العسكرية.

وينظر إلى دور Third Narrative في قلب إدارة المعهد بأنه مؤشر بنيوي على الوجهة السياسية والفكرية للبرامج التي يُنتجها المعهد.

إذ بدلاً من تفكيك الخطاب الاستعماري الإسرائيلي، يجري تفكيك الخطاب الفلسطيني المقاوم، وإعادة تركيبه بما يتلاءم مع “سلام ثقافي” مفروض، يطالب الفلسطيني بالتكيّف مع الأمر الواقع.

قيادة المعهد وشبكات التمويل الإماراتية

يقف على رأس “ميديا لوليتيك” كريم أبو الروس، بالتعاون مع شبكة جسور الممولة إماراتياً، والتي تُعد إحدى أدوات شبكة أفيخاي، المنخرطة في التحريض الإعلامي على المقاومة الفلسطينية، وإعادة تسويق السردية الإسرائيلية بالعربية، عبر واجهات ثقافية وإعلامية وشبابية.

ويطرح هذا التشابك بين القيادة الإدارية والتمويل الإماراتي والشبكات الإعلامية ذات الصلة بالدعاية الإسرائيلية، أسئلة جوهرية حول استقلالية المعهد، وحول حقيقة “الفلسطينية” التي يدّعي تمثيلها.

فالمشكلة لا تكمن في الحوار بحد ذاته، بل في توظيفه لتجريم المقاومة، ونزع الشرعية عن حق الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال بكل أشكال النضال التي يكفلها القانون الدولي.

شبكة أفيخاي ويكيبيديا

على موقعه الإلكتروني، يعرّف المعهد نفسه بأنه “معهد بحثي-إعلامي فلسطيني يعمل من قلب الشتات على تفكيك البنى الخطابية السائدة وإعادة بناء سرديات عربية تنطلق من العدالة والكرامة والمعرفة”.

غير أنّ الممارسة الفعلية تُظهر انحرافاً واضحاً عن هذا التعريف. فـ”تفكيك البنى الخطابية السائدة” لا يطال الرواية الإسرائيلية المهيمنة، بل يتركّز على الخطاب الفلسطيني المقاوم، الذي يُقدَّم بوصفه عائقاً أمام “السلام” و”التعايش”.

أما “إعادة بناء السرديات العربية”، فتجري وفق قوالب تموَّل وتُشرف عليها أطراف إماراتية، تُروّج للتطبيع باعتباره أفقاً وحيداً، وتتعامل مع الاحتلال كحقيقة دائمة يجب التكيّف معها لا مقاومتها.

وهنا تتحوّل مفردات العدالة والكرامة إلى شعارات فارغة، تُستخدم فقط لتسويق الخضوع السياسي والتطبيع بوصفه عقلانية.

والأخطر أن المعهد يعتمد على برامج تدريب، وورش عمل، ومنصات نشر، لاستقطاب فلسطينيين في أوروبا، خصوصاً من فئة الشباب والإعلاميين.

وتُقدَّم هذه البرامج على أنها فرص مهنية وبحثية، لكنها في جوهرها أدوات لإعادة هندسة الوعي، وتطبيع العلاقة مع الخطاب الإسرائيلي، وتقديم المقاومة كـ”إشكالية أخلاقية” لا كحق مشروع.

ويؤكد ذلك أن “ميديا لوليتيك” مجرد واجهة بحثية-إعلامية تُستخدم لإعادة صياغة الخطاب الفلسطيني بما يخدم التطبيع، ويُضعف شرعية المقاومة، ويمنح الاحتلال مساحة أخلاقية وسياسية لمواصلة هيمنته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى