تحليلات واراء

تدخل أمريكي بدل السيادة: فضيحة سياسية تكشف انفصال قيادة السلطة

شكّل إعلان الاحتلال الإسرائيلي منع نائب رئيس السلطة الفلسطينية حسين الشيخ من الوصول إلى مدينة بيت لحم، قبل التراجع لاحقاً والسماح له بالدخول بعد تدخل أمريكي، حادثة سياسية كاشفة لطبيعة العلاقة الحقيقية بين قيادة السلطة والاحتلال، وللفجوة المتفاقمة بين هذه القيادة والواقع اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون تحت نظام الحواجز والقمع.

فالقرار الإسرائيلي يمكن اعتباره خطوة محسوبة حملت رسالة سياسية مباشرة بأن الامتيازات التي يتمتع بها كبار مسؤولي السلطة ليست حقاً، بل أدوات تحكّم بيد الاحتلال، قابلة للمنح أو السحب وفق المزاج السياسي والأمني.

إذ أن حسين الشيخ مُنع من استخدام المسار الخاص المخصص لحركة كبار مسؤولي السلطة، وهو المسار الذي يبدأ عادة من محيط مستوطنة “بيت إيل” وينتهي عند حاجز 300 العسكري بين القدس وبيت لحم، ويُؤمَّن بمرافقة عسكرية إسرائيلية مشددة للموكب.

ويشكل هذا المسار، الذي لا يُتاح لعامة الفلسطينيين، أحد أبرز رموز العلاقة الوظيفية التي أرستها اتفاقيات أوسلو، حيث جرى فصل حركة المسؤولين عن حركة الشعب، وتحويل حرية التنقل إلى امتياز سياسي مرتبط بالتنسيق الأمني والقبول بالشروط الإسرائيلية. وعندما قرر الاحتلال تعطيل هذا الامتياز، ولو مؤقتاً، لم تستطع السلطة فرض أي معادلة ردع أو حتى احتجاج فعّال.

حسين الشيخ ويكيبيديا

الأكثر دلالة أن حل الأزمة لم يأتِ عبر قنوات فلسطينية، بل عبر تدخل أمريكي مباشر، أعاد منح حسين الشيخ التصريح اللازم.

وتثبت هذه الواقعة مجددا أن قدرة قيادة السلطة على الحركة، بالمعنى الحرفي والسياسي، لا تزال مرهونة بالقرار الإسرائيلي وبالغطاء الأمريكي، ما ينزع عنها أي ادعاء بالسيادة أو الاستقلال في إدارة شؤونها.

في المقابل، يعيش الفلسطينيون واقعاً مختلفاً بالكامل. إذ أن ما قد يعتُبر أزمة سياسية بسبب تعطيل مسار “كبار الشخصيات”، هو في الحقيقة الوضع الطبيعي لملايين الفلسطينيين.

فالوصول إلى بيت لحم، أو أي مدينة فلسطينية أخرى، يتم عبر شبكة معقّدة من الحواجز والطرق الالتفافية والإغلاقات المفاجئة: قلنديا، كفر عقب، جبع، حزما، عناتا، العيزرية، أبو ديس، السواحرة، واد النار، العبيدية، بيت ساحور، وصولاً إلى بيت لحم.

ولا يتطلب هذا المسار الطويل تصريحاً واحداً، بل سلسلة يومية من الاحتمالات: تفتيش، تأخير، إذلال، أو منع كامل.

التنسيق الأمني المقدس

المشكلة لا تكمن فقط في الاحتلال، بل في أن قيادة السلطة تتعامل مع هذا الواقع كاستثناء لا كقاعدة.

إذ أن حادثة منع حسين الشيخ كشفت أن صدمة القيادة لم تكن بسبب المنع بحد ذاته، بل بسبب المساس بمنظومة الامتيازات التي اعتادت العمل ضمنها، والتي أبعدتها عملياً عن تجربة الناس اليومية.

فبينما يتابع المواطنون تحديثات مجموعات “الأحوال على الطرق” لتجنّب الحواجز والإغلاقات، تتحرك القيادة وفق تنسيقات مسبقة ومسارات محمية.

والأخطر أن الخطاب السياسي الرسمي لا يزال يتعامل مع الاحتلال بلغة الشكوى والعتب، لا بلغة المواجهة السياسية أو إعادة تعريف العلاقة. وكأن الاحتلال خالف تفاهمات أخلاقية غير مكتوبة، لا منظومة استعمارية قائمة على الإخضاع والسيطرة.

وينعكس هذا الخلل في القراءة السياسية مباشرة على الأداء العام للسلطة، التي تبدو عاجزة عن استثمار أي حادثة، حتى تلك التي تمسّ قياداتها، في معركة سياسية أو قانونية حقيقية.

ويندرج كل ذلك في إطار مسار طويل يتم منذ سنوات طويلة لتفريغ السلطة من مضمونها الوطني، وتحويلها إلى كيان إداري يعتمد على الاحتلال في الحركة والتمويل والاستمرار، وأن الاحتلال لا يرى في السلطة شريكاً بل تابعاً، وأن من يراهن على الامتيازات سيكتشف عاجلاً أو آجلاً أنها مؤقتة وهشّة.

كما أن ما جرى مع حسين الشيخ يمثل دليلا إضافيا على أن قيادة السلطة تعيش خارج واقع شعبها، وتُفاجأ أحياناً بحقيقة الاحتلال التي يعيشها الفلسطينيون يومياً، بلا مواكب، بلا مسارات خاصة، وبلا تصاريح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى