تحليلات واراء

إفراج السلطة عن العقيد رياض فرج يكشف عمق الفساد داخل المنظومة الأمنية

بعد خمسة أيام فقط من الاعتقال، أفرجت أجهزة السلطة الفلسطينية عن العقيد رياض فرج، شقيق رئيس جهاز المخابرات العامة السابق ماجد فرج، والمتهم في قضية تهريب وتجارة آثار مع أربعة ضباط آخرين.

وأعادت هذه الخطوة السريعة إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مدى تورط قيادات عليا في قضايا فساد ممنهج، ومدى قدرة السلطة على محاسبة المتورطين فعليًا أو مجرد الاكتفاء بتضحيات جزئية لحماية الكبار.

من هو رياض فرج؟

فقًا للمصادر الأمنية، تم الكشف عن شبكة تهريب آثار واسعة النطاق يقودها العقيد رياض فرج، حيث ضُبط إلى جانبه أربعة ضباط آخرين متورطين في تهريب قطع أثرية إلى خارج الأراضي الفلسطينية.

وأظهرت التحقيقات الأولية التي أجرتها الاستخبارات العسكرية أن هذه الشبكة كانت تعمل منذ فترة طويلة في الخفاء، مستغلة مواقعها الرسمية لتسهيل تمرير الآثار عبر المعابر والحدود.

ورغم خطورة الاتهامات، فإن سرعة الإفراج عن فرج بعد تدخل شقيقه ماجد فرج، تكشف مقدار النفوذ السياسي والأمني الذي ما يزال يحمي الشخصيات المتورطة.

وفي المقابل، أبقت السلطة على احتجاز الضباط الأربعة الآخرين، في مشهدٍ يرى فيه مراقبون محاولة لإلقاء المسؤولية على “الصغار” وتحصين الكبار.

قضية نظمي مهنا: خيوط متشابكة

لم يتوقف المشهد عند رياض فرج فقط، إذ كشفت مصادر مطلعة عن اعتقال اللواء نظمي مهنا، المدير العام السابق للمعابر والحدود، أثناء محاولته الهروب عبر الأردن إلى إحدى الدول العربية.

والتهم الموجهة إلى مهنا لا تقل خطورة، وتشمل تسريب أراضٍ للاحتلال، تزوير، اختلاس، وتهريب آثار بالتعاون مع شقيق ماجد فرج.

ويعزز اعتقال مهنا – المعروف بصلاته الواسعة داخل أجهزة السلطة وخارجها –القناعة بأن ملف تهريب الآثار ليس مجرد جريمة فردية، بل شبكة مترابطة من الضباط والقيادات الذين استخدموا نفوذهم لتأمين مصالح شخصية على حساب المصلحة الوطنية.

في المقابل فإن الإفراج السريع عن رياض فرج يكشف نمطًا متكررًا في تعامل السلطة مع ملفات الفساد: حماية المسؤولين الكبار، وإغراق الملفات في التعقيدات القانونية أو التسويات الداخلية.

وتهدف هذه السياسة إلى تجنب الإحراج السياسي، خصوصًا أن المتهم هو شقيق شخصية أمنية بحجم ماجد فرج، الذي ظل لسنوات يُقدَّم كـ”رجل الثقة” في أجهزة التنسيق الأمني مع الاحتلال.

ويرى محللون أن هذه الحماية ليست فقط لتجنيب ماجد فرج الحرج، بل لتجنب فتح ملفات أخرى قد تكشف عن تورط مستويات أعلى في عمليات تهريب منظمة تشمل آثارًا وأراضي وحتى صفقات مشبوهة مع الاحتلال.

“دولة العرصات”: توصيف للواقع

ينعكس ما جرى على صورة السلطة الفلسطينية التي تواجه اتهامات متكررة بأنها تحولت إلى دولة “عرصات” – أي دولة تحكمها الصفقات والولاءات الشخصية والفساد العميق.

إذ أن الإفراج عن فرج بعد أيام قليلة من اعتقاله، في حين يبقى ضباط أقل رتبة قيد التحقيق، يكرس الانطباع الشعبي بأن العدالة مسألة انتقائية، وأن القانون يُطبّق فقط على من لا يملكون غطاءً سياسيًا أو أمنيًا.

ولا يقتصر هذا الواقع على ملف الآثار، بل يتكرر في ملفات اقتصادية وأمنية متعددة، من قضايا الاختلاس المالي إلى تسريب الأراضي للاحتلال، وصولًا إلى التنسيق الأمني الذي يُستخدم كسيف مسلط على رقاب المعارضين.

وبحسب مراقبين فإن قضية رياض فرج ونظمي مهنا ستترك تداعيات مزدوجة:

داخليًا: ستزيد من فقدان الثقة الشعبية بالسلطة، خصوصًا في ظل تصاعد الأزمات المعيشية وتفاقم الحرب على غزة، حيث يرى الفلسطينيون أن السلطة مشغولة بحماية “مافيا الآثار” بدلًا من حماية الشعب.

كما أنها تفضح طبيعة الولاءات داخل الأجهزة الأمنية، حيث يمكن للنفوذ العائلي أن يُفلت كبار الضباط من المساءلة.

خارجيًا: هذه القضية تضعف صورة السلطة أمام المانحين الدوليين، الذين يطالبون بمزيد من الشفافية في مؤسسات الحكم.

فالمجتمع الدولي يدرك أن الفساد المستشري يعطل أي إمكانية لبناء مؤسسات قادرة على إدارة الدولة الفلسطينية، ويحوّل المساعدات إلى غطاء لمصالح شخصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى