معالجات اخبارية

ملف مرضى غزة العالقين وحقارة السلطة الفلسطينية في التعامل معه

تفاقمت معاناة مرضى غزة العالقين في مستشفيات الضفة الغربية والقدس المحتلة منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط تجاهل رسمي فاضح من قبل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 70 مريضًا من أبناء القطاع ما زالوا يرقدون في مستشفيات الضفة والقدس المحتلة، من دون أي برنامج واضح لتغطية احتياجاتهم العلاجية أو المعيشية، في مشهد يعكس – وفق مراقبين – “الحقارة والاستهتار” في تعامل القيادة الفلسطينية مع واحد من أكثر الملفات الإنسانية حساسية.

وقد بدأت القصة عندما نُقل عشرات المرضى من غزة إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس قبيل انهيار المنظومة الصحية في القطاع بسبب القصف والحصار.

آنذاك، كان يُفترض أن تتكفل مؤسسات السلطة بمتابعة شؤونهم الصحية والإدارية، إلا أن الواقع كان على العكس تمامًا؛ فقد تُرك هؤلاء المرضى وحيدين بلا رعاية أو دعم.

وبحسب شهادات أهالي المرضى، فإن المستشفيات نفسها تقدّم لهم الخدمات الطبية بالحد الأدنى، بينما يتكفل ذووهم – في ظل فقر مدقع – بمصاريف المواصلات والإقامة والدواء المكمّل، رغم أن السلطة تملك موازنات مخصّصة لهذه الحالات عبر وزارة الصحة وصندوق الضمان الصحي.

تجاهل رسمي شامل من السلطة الفلسطينية

ما يزيد من مأساة هؤلاء المرضى أن الرئاسة الفلسطينية والحكومة والوزارات المعنية لم تُصدر حتى الآن أي قرار يخصّ أوضاعهم، رغم النداءات المتكررة منذ ما يقارب العامين.

كذلك لم يتحرك القطاع الخاص ولا مؤسسات العمل الأهلي لتقديم يد العون، الأمر الذي حوّل هؤلاء المرضى إلى فئة منسية.

ويصف ناشطون هذا الصمت بأنه تواطؤ كامل، ليس فقط في إهمال المرضى، بل في تجريدهم من أبسط حقوقهم كفلسطينيين. إذ لم تُخصّص لهم حتى أماكن إقامة مؤقتة لذويهم، ولم تُغطَّ مصاريف أساسية مثل الغذاء والدواء والمواصلات.

التلويح بالاعتصام

مع انسداد الأفق، لجأ المرضى وذووهم مؤخرًا إلى التهديد بتنظيم اعتصام مفتوح أمام مقرات الرئاسة والحكومة في رام الله. وأكدوا أنهم لن يتراجعوا حتى يتم الاستجابة لمطالبهم، وعلى رأسها:

توفير تغطية مالية كاملة للعلاج والإقامة.

تسهيل عودة المرضى إلى غزة أو تأمين علاجهم في الخارج.

تشكيل لجنة رقابية لمتابعة أوضاعهم بشكل دوري.

وقال أحد المرضى العالقين: “نُعالج على الورق فقط، أما على أرض الواقع فلا أحد يسأل عنا. نحن مهددون بالموت ليس بسبب المرض فقط، بل بسبب الإهمال واللامبالاة”، مضيفًا أن العديد منهم يعيشون على مساعدات فردية من أهل الخير.

ويرى مراقبون أن هذه القضية تحوّلت إلى فضيحة سياسية للسلطة الفلسطينية، إذ تكشف حجم الانفصال بين القيادة وشعبها، وخصوصًا أبناء غزة الذين يدفعون الثمن مضاعفًا منذ سنوات.

ويؤكد خبراء حقوق الإنسان أن ما يجري يعدّ انتهاكًا واضحًا للحق في الصحة المنصوص عليه في القانون الدولي، وأن السلطة تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة هؤلاء المرضى بصفتها الجهة الإدارية الرسمية.

كما يشير مختصون إلى أن هذا الملف يوضح كيف أصبحت السلطة تتعامل مع المواطن كعبء لا كمسؤولية، حيث تُدار الملفات الإنسانية بمزاجية سياسية، بعيدًا عن المعايير القانونية والأخلاقية.

والمفارقة أن المؤسسات الفلسطينية الرسمية كثيرًا ما تتباهى بتعاونها مع المنظمات الدولية في ملف الصحة، لكن الواقع يكشف غياب أي آليات فعلية لإنقاذ حياة المرضى.

كما أن منظمات المجتمع المدني، التي يفترض أن تكون خط الدفاع الأول، التزمت الصمت، ربما بسبب الضغوط السياسية والمالية التي تُمارس عليها.

حتى القطاع الخاص، الذي يراكم أرباحًا طائلة في الضفة الغربية، لم يبادر إلى تبني مبادرات دعم، رغم أن التكاليف المطلوبة – وفق تقديرات الأطباء – لا تتجاوز مئات آلاف الدولارات سنويًا، وهي أرقام زهيدة مقارنة بحجم الاستثمارات المحلية.

ويرى محللون أن الأزمة قد تُعيد تسليط الضوء على فشل المنظومة الصحية الفلسطينية في تقديم خدمة عادلة ومنصفة، وفضح غياب التنسيق بين غزة والضفة، وهو ما يفاقم معاناة المواطنين.

إذ أن قضية مرضى غزة العالقين في مستشفيات الضفة والقدس منذ أكتوبر 2023 ليست مجرد مأساة صحية، بل جرس إنذار سياسي وأخلاقي. فالمرضى الذين يعانون الألم والإهمال معًا، يفضحون حقيقة سلطة فقدت حسّها الإنساني وأصبحت – وفق تعبير بعض الأهالي – “جزءًا من معاناتهم لا من حلها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى