تحليلات واراء

مقاومة غزة: شجاعة استثنائية في مواجهة غير متكافئة

منذ بداية التصعيد الأخير في قطاع غزّة، لم تتوقف الشهادات حول بطولات المقاومة الفلسطينية في التصدي للعدوان الإسرائيلي، وتُصوّر مشاهد من التضحية والشجاعة الفائقة التي تدهش الجميع وتبرز شجاعة استثنائية في مواجهة غير متكافئة.

فقد فرضت هذه المقاومة، بكل فصائلها، نفسها كمثال نادر للقوة الإرادية والصمود، رغم ما تواجهه من تحديات مدمّرة. على الرغم من انعدام الدعم الخارجي الملموس، وندرة الإمكانيات العسكرية، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تخلق معادلة غير متكافئة مع أعتى الجيوش في المنطقة، مما يضعها في مصاف المقاومات التاريخية الكبرى.

استبسال يفوق المعايير المعتادة

ما يميّز المقاومة الفلسطينية في غزّة هو استمراريتها وصمودها على مدار فترة طويلة رغم الدمار الشامل الذي ألحقه الاحتلال بالقطاع. فعلى مدى عشرين شهراً، شهدنا مقاتلين فلسطينيين يتحدّون ظروفًا قاسية، من دمار واسع في البنية التحتية، وتدمير شبكات الإمداد، إلى انعدام الدعم العسكري الخارجي.

ومع ذلك، استمروا في تنفيذ عمليات جريئة ضد قوات الاحتلال، أحيانًا باستخدام أبسط الأسلحة مثل العبوات الناسفة التي يتم وضعها بعناية على الدبابات الإسرائيلية التي كانت تعتبر من أقوى الآليات الحربية. هذه العمليات تظهر التفوق التخطيطي والتنفيذي للمقاومة، رغم الظروف المعيشية الصعبة.

وإذا نظرنا إلى تاريخ الحروب التحررية في العالم، نجد أن معظم الحركات المقاوِمة، سواء في فيتنام أو الجزائر أو أميركا اللاتينية أو جنوب أفريقيا، قد حصلت على دعم خارجي شامل.

فيتنام حصلت على إمدادات من الاتحاد السوفيتي والصين، والجزائر تلقت المساعدات من مختلف الدول العربية. حتى في الحروب التي نشبت في العراق وأفغانستان، كان هناك إسناد كبير من دول أخرى إلى جانب التضاريس المعقدة التي استفاد منها المقاومون في تلك الدول.

أما في حالة قطاع غزّة، فالمقاومة الفلسطينية تواجه حربًا غير متكافئة مع أعداء مدعومين من القوى الكبرى. إذ لا تقتصر القوات الإسرائيلية على الجيوش التقليدية، بل تشمل طائرات حربية، صواريخ متطورة، ودبابات مدرعة.

ومن جانب آخر، تأتي الأسلحة التي يستخدمها المقاومون من مواردهم الذاتية، في حين أنهم يفتقرون إلى وسائل دعم خارجي بشكل ملموس. في هذا السياق، يظهر صمود هؤلاء المقاتلين كواحدة من أعظم تجارب الشجاعة في العصر الحديث.

التحمل والإرادة في ظل الشروط القاسية

لم يكن في حسابات معظم المتابعين أن المقاومة الفلسطينية في غزّة ستستمر لأكثر من عامين في هذه المعركة غير المتكافئة. هؤلاء المقاومون يقاتلون بموارد محدودة، في ظروف معيشية قاسية، وفي شريط ضيق للغاية.

إنّ ما يميزهم ليس فقط شجاعتهم في مواجهة جيش متفوق تقنيًا، بل أيضًا قدرتهم على الصمود والتحدي في ظروف خارجة عن حدود التحمل البشري، حيث لا طعام دائم، ولا ممرات آمنة، ولا إمدادات عسكرية تذكر. هذا الأمر يجعل ما يقوم به هؤلاء المقاتلون يتجاوز مجرد التحدي العسكري ليصبح فعلًا إراديًا فريدًا يكتب صفحة جديدة في تاريخ الحروب التحررية.

وحتى العدو نفسه لا يمكنه إنكار بسالة المقاومين الفلسطينيين. فكما صرّح بني غانتس، وزير الجيش الإسرائيلي السابق، في وقت سابق، قائلاً: “علينا أن نكون صادقين ونقول إننا قاتلنا ضد رجال شجعان”.

هذا الاعتراف يعكس حقيقة مرّة عن المستوى العالي للتكتيك والشجاعة التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية، وتؤكد أن ما يفعله المقاومون في غزة لا يقل عن معارك التحرير الكبرى التي شهدها التاريخ.

صحيح أن الاعتراف من قبل الطرف الآخر قد يكون مشروطًا بالنظرة العسكرية البحتة، لكنه لا ينفي حقيقة أن الصمود الفلسطيني يعدّ أحد أروع الأمثلة في العصر الحديث.

إبادة جماعية تحت ستار الحرب

في المقابل، تُمارس دولة الاحتلال انتهاكات جسيمة في القطاع، تصل إلى حد الإبادة الجماعية. فالهجمات التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين، وتحديدًا الأطفال والنساء، تمثل جرائم حرب واضحة.

إذ أن القصف الجوي والبرّي يطال المنازل والمساجد والملاجئ التي لا تخلو من الأبرياء، كما أن الحصار المفروض على غزّة يجعل من المستحيل وصول المساعدات الإنسانية.

هذه المجازر تؤكد أن ما يتم في القطاع ليس حربًا بالمعنى المتعارف عليه، بل هو هجوم وحشي ضد مدنيين عزل في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي.

النصر المعنوي: فكرة المقاومة تستمر

بعيدًا عن التكهنات العسكرية أو السياسية، يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية قد حققت نصرًا معنويًا لا يمكن تجاهله. على الرغم من كل التحديات والصعوبات، نجحت في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، بعد أن كانت مهددة بالتلاشي أو التهميش.

والنصر ليس فقط في الميدان، بل في أن الفكرة الفلسطينية، وهي حق الشعب في العيش بكرامة، قد عادت إلى الظهور بقوة، وجذوتها ستظل حية في ذاكرة الأجيال المقبلة. حتى لو خسرت المقاومة عسكريًا في غزة، فإنها قد حققت انتصارًا في قلوب الملايين من الأحرار في العالم الذين يقفون إلى جانب الحق الفلسطيني.

وإن ما تقدمه المقاومة الفلسطينية في غزّة هو مزيج من التضحية والإصرار والبطولة الفائقة. ومن غير المستغرب أن تكون هذه البطولات قد أحدثت تغييرًا في النظرة العالمية تجاه القضية الفلسطينية. هذه المقاومة ليست مجرد تصدي عسكري، بل هي مقاومة للقهر والظلم والاستعمار، ورمز للإرادة في تحقيق العدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى