معالجات اخبارية

صمود أسطوري ومعارك نوعية: المقاومة الفلسطينية تقاتل رغم الحصار وحرب الإبادة

منذ أكثر من عشرين عامًا، وفصائل المقاومة الفلسطينية تخوض واحدة من أطول حروب التحرير المعاصرة، دون أن تحظى بأي إسناد حقيقي من الخارج، وفي ظل ظروف حصار خانق، وواقع إنساني كارثي، وعدو يتمتع بتفوق عسكري واستخباراتي ودعم دولي غير مسبوق.

رغم كل ذلك، لا تزال المقاومة تصنع الفارق في الميدان، وتُبقي جذوة القتال مشتعلة في وجه آلة الإبادة الجماعية التي تقودها دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

ويؤكد مراقبون أن ما نشهده اليوم ليس مجرد استمرارٍ للمواجهة، بل هو تجلٍّ لنموذج فريد من الإرادة القتالية التي تتحدى المنطق العسكري الكلاسيكي، وتعيد تعريف مفهوم الصمود.

ففي الوقت الذي تتحدث فيه أرقام وزارة الصحة الفلسطينية عن أكثر من 55 ألف شهيد، بينهم 16 ألف طفل و12 ألف امرأة، لا يزال المقاتلون الفلسطينيون ينفذون عمليات نوعية داخل خطوط النار، يُقتلون ويُصابون، لكنهم لا ينهزمون.

عمليات نوعية رغم الحصار

في الأيام الماضية وحدها، نفذت المقاومة سلسلة كمائن ومعارك أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال.

وأقرت الصحف العبرية بأن “النقيب (احتياط) تال موشفوفيتس، نائب قائد السرية في الكتيبة الهندسية 7086 التابعة للواء جولاني قتل جراء انفجار في جنوب قطاع غزة. وأصيب مقاتلون آخرون في الحادث”.

وذكرت الصحف العبرية أن “التحقيق الأولي كشف عن نصب خلية كمينا للقوة وفتحت النار بعد تفجير العبوة الناسفة، حيث اتضح من التحقيق أن الخلية نصبت كمينا لقوة الخيالة وفتحت النار باتجاهها بعد تفجير العبوة الناسفة”.

وفي خان يونس، سقط جندي آخر في عملية لم يفصح الاحتلال عن تفاصيلها، بينما أعلنت المقاومة مسؤوليتها عن كمائن متكررة في المنطقة ذاتها.

والسبت، قتل رقيب (ميان) نعوم شمش، قائد فرقة في لواء كفير، سقط يوم السبت في جنوب قطاع غزة، كما قتل شمش، 21 عاما، من القدس، بنيران مضادة للدبابات في خان يونس. وأصيب جندي آخر بجروح طفيفة في الحادث، وفقا للصحيفة.

وقبل نحو أسبوع ونصف قتل أربعة جنود من جنود الاحتلال في انهيار مبنى بني سهيلة بالقرب من خان يونس.

وتكثفت خلال الفترة الأخيرة هجمات المقاومة على الآليات العسكرية، حيث أعلنت كتائب القسام عن استهداف دبابة “ميركافاه” بقذيفة “تاندوم” جنوب مدينة خان يونس، فيما أكدت أنها قنصت سائق جرافة عسكرية إسرائيلية شرق حي الشجاعية في غزة.

حرب بلا خطوط إمداد

ما يميز هذا النمط من القتال أن فصائل المقاومة تخوض المعارك من دون أي دعم لوجستي خارجي، لا بالسلاح ولا بالتقنيات الحديثة.

فأسلحة المقاومة تُصنّع غالبًا تحت الأرض، ووسائل الاتصال بدائية، والذخيرة محدودة، ومع ذلك، تنجح هذه الفصائل في إحداث ثغرات مؤلمة في صفوف جيش الاحتلال، المُسلّح بأحدث تقنيات الحرب والمدعوم بمنظومة استخباراتية غربية.

خسائر الاحتلال… الاعتراف جزء من الهزيمة

بحسب المعطيات الرسمية الصادرة عن جيش الاحتلال، فقد قتل منذ بداية الحرب أكثر من 866 جنديًا، بينهم 422 جنديًا منذ بدء العملية البرية. وأصيب 5921 جنديا منذ بداية الحرب، بينهم 2687 خلال المعارك البرية في القطاع الفلسطيني.

وخلافا للأرقام المعلنة، يُتهم جيش الاحتلال بإخفاء الأعداد الحقيقية لخسائره في الأرواح، خاصة مع تجاهل إعلانات عديدة لفصائل المقاومة بتنفيذ عمليات وكمائن ضد عناصره، تؤكد أنها تسفر عن قتلى وجرحى.

ففي حالات متكررة، تنشر المقاومة تفاصيل دقيقة عن كمائن ومعارك ومواجهات مباشرة، لا يصدر بعدها أي تأكيد أو نفي من الطرف الإسرائيلي، ما يعزز الاعتقاد بوجود فجوة بين الواقع والمعلن.

هذا التكتّم، وفقًا لخبراء عسكريين، يهدف إلى حماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الانهيار النفسي، في ظل تزايد الضغوط الاجتماعية والسياسية المطالبة بوقف الحرب والانسحاب.

مدرسة قتالية فلسطينية

تطورت المقاومة الفلسطينية خلال العقدين الماضيين من مجموعات صغيرة تخوض مواجهات محدودة إلى تنظيمات عسكرية منظمة تتقن القتال المتقدم في بيئات حضرية.

وأصبحت الأنفاق، والتفخيخ، والكمائن المركبة، والقنص، والاستهداف بالقذائف الموجهة، أدوات أساسية في إدارة الحرب ضد الاحتلال.

والمعركة الحالية كشفت عن قدرة فريدة للمقاومة في التحكم بأرض المعركة، خاصة في الجنوب، حيث تحولت أحياء خان يونس والبريج ورفح إلى ساحات حرب متداخلة، تتنقل فيها المجموعات المسلحة بخفة وذكاء، وتنفّذ هجمات دقيقة رغم القصف المكثف من الجو والبر.

المقاومة تكتب التاريخ

ما يفعله المقامون الفلسطينيون اليوم في غزة ليس فقط دفاعًا عن الأرض، بل كتابة لصفحات من المجد في تاريخ الشعوب المناضلة.

فرغم المجازر اليومية، ورغم الحصار الخانق، ورغم صمت العالم وتواطؤ بعض الأنظمة العربية، تقاتل المقاومة وتُسقط جنود الاحتلال يومًا بعد يوم، لتؤكد أن هذه الأرض ليست بلا شعب، وأن من راهن على استسلام غزة، خسر الرهان.

وفي ظل عالم عربي مُستسلم ومطبّع، وفي وقت تتصدر فيه أنظمة عربية قائمة المستوردين للسلاح الإسرائيلي، تظل غزة وحدها تُقاتل وتُقاوم وتُبقي القضية حيّة. لا توجد إمدادات، لا توجد غرف عمليات مشتركة، لا توجد مظلات حماية سياسية، فقط مقاومون يواجهون أعتى جيوش المنطقة بما تيسر من سلاح، ويثبتون أن الإرادة عندما تكون خالصة، تصنع المعجزات.

ويشدد المراقبون على أن المقاومة الفلسطينية، بما تنجزه اليوم من عمليات نوعية، تؤكد أن معادلة الردع لم تنتهِ، وأن الحرب لم تُحسم. فطالما بقي مقاتل فلسطيني واحد يحمل بندقيته، فإن الاحتلال لن يهنأ، وستبقى غزة شوكة في حلق المشروع الصهيوني مهما اشتدت المذابح، واتسعت دائرة الإبادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى