تحليلات واراء

الإعلام الرسمي الأردني والمصري يهاجم خطاب الحية: بين شيطنة المقاومة وتخدير الشارع العربي

في أعقاب خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة خليل الحية، مساء السبت الماضي، والذي دعا فيه الشعوب العربية إلى النزول إلى الشوارع والضغط على حكوماتها لوقف المجازر المتواصلة في القطاع، شنّ الإعلام الرسمي الأردني والمصري حملة هجومية مضادة، ساعيًا إلى تشويه الخطاب ونزع مشروعيته عبر خطاب مضاد اتّسم بالتضليل، وتقديم الحية كعنصر تحريضي يهدد الاستقرار الداخلي.

هذا التناول الإعلامي يكشف بوضوح عن حجم المأزق الرسمي الذي تعيشه بعض الأنظمة العربية نتيجة تزايد الضغوط الشعبية في الشارع، مقابل تمسكها بمواقف سياسية تعتبرها “عقلانية”، رغم تصاعد الفظائع الإسرائيلية، ومشاهد الإبادة التي تهز الضمير العالمي.

الخطاب الذي أزعج العواصم

الحية أحد أبرز قيادات حماس، دعا في خطابه الشعوب العربية إلى كسر “جدار الصمت”، وانتقاد حكوماتهم ومطالبتها بوقف التطبيع مع الاحتلال والضغط لوقف الحرب، معتبرًا أن “الأنظمة التي تلوذ بالصمت أو تتواطأ بصيغ مختلفة إنما تشارك في الجريمة”.

وذهب أبعد من ذلك حين وصف بعض المواقف الرسمية بأنها “غطاء إقليمي” لاستمرار المجازر في غزة، في إشارة إلى بعض الدول التي تُتهم بالتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال أو غض الطرف عن الانتهاكات.

ردود إعلامية هجومية في مصر والأردن

الإعلام الرسمي والموالي للسلطة في كل من القاهرة وعمّان تعامل مع الخطاب بعصبية واضحة. فقد خصصت قنوات فضائية وصحف رسمية مساحات واسعة لتفنيد خطاب الحية، ووصْفه بأنه “تدخّل سافر” في الشؤون الداخلية، و”محاولة لإثارة الفوضى”.

في مصر، لجأت بعض البرامج التلفزيونية إلى الإسهاب في مهاجمة الحية شخصيًا، واتهامه بالعمل لصالح أجندات خارجية – في إشارة ضمنية إلى إيران – كما زعمت أن حماس تتاجر بالدم الفلسطيني، متجاهلة سياق الخطاب الإنساني والسياسي الذي حاول التعبير عن يأس الغزيين من المواقف الرسمية الصامتة.

وفي الأردن، ظهرت مقالات وتحليلات على منابر محسوبة على الدولة تحاول تصوير الحية كـ”محرض على الأمن الوطني”، وتتهمه بـ”العمل على زعزعة الاستقرار”، في تلميح صريح إلى حساسية المملكة من دعوات التظاهر.

تحريف مقصود وطمس للمضمون

اللافت أن معظم وسائل الإعلام الرسمية لم تتطرق إلى جوهر الخطاب، لا من حيث الإحصاءات التي أوردها الحية حول حجم القتل والتجويع في غزة، ولا من حيث الإشارة إلى انسداد الأفق السياسي، وفشل المجتمع الدولي في وقف شلال الدم.

بل جرى اجتزاء العبارات الأكثر حساسية، وتحويل الخطاب إلى مادة للهجوم الشخصي ولتخويف الجمهور من “أجندات مشبوهة”.

في هذا السياق، تعمّد الإعلامان الأردني والمصري تجاهل حقيقة أن الخطاب كان موجهًا إلى وجدان الشارع العربي، أكثر من كونه تحديًا مباشرا للأنظمة، ما يعكس سعيًا رسميًا لـ”تسييس الموقف الإنساني”، وتحويل أي نداء شعبي إلى “مؤامرة خارجية”.

الهدف: إجهاض أي تعاطف شعبي منظم

الأنظمة في الأردن ومصر تخشى – عن حق – من تحوّل الغضب الشعبي من مجازر غزة إلى موجة احتجاجات عارمة، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها المنطقة.

بالتالي، فإن أول أهداف الحملة الإعلامية ضد الحية هو تقويض أي خطاب تعبوي من الداخل الفلسطيني، وتحويله إلى مادة تثير الريبة.

كما يُلاحظ اعتماد خطاب “التهدئة الوطنية” في الردود الإعلامية الرسمية، حيث يتم تصوير كل دعوة للاحتجاج بأنها تهديد للاستقرار، وأن “الأولويات الداخلية” تقتضي الصمت أو الحياد، ما يعني فعليًا إعطاء غطاء ضمني لجرائم الاحتلال.

الازدواجية في التعامل مع الصوت الفلسطيني

تاريخيًا، لطالما استخدمت بعض الأنظمة العربية القضية الفلسطينية كرافعة شرعية، لكنّها سرعان ما تضيق ذرعًا بأي خطاب فلسطيني يطالبها بالتحرك أو يحاسبها على صمتها.

ويتكرر هذا المشهد اليوم مع خطاب الحية، الذي تعاطت معه القاهرة وعمّان كـ”تحدٍّ سياسي”، لا كصرخة إنسانية لشعب يُذبح على مرأى من العالم.

وتتجلى هذه الازدواجية حين يتم الترحيب بأي خطاب فلسطيني “ناعم” يتماشى مع التوجهات الرسمية، بينما يتم شيطنة الأصوات الأخرى التي تكشف التقصير أو تصرخ باسم الضحايا.

انعكاسات الحملة على الشارع العربي

الحملة الإعلامية المصرية والأردنية لم تمر مرور الكرام بين الجماهير، بل أشعلت ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن “التشويش” على خطاب الحية هو دليل إضافي على تورط بعض الأنظمة في سياسة دفن رؤوسها في الرمال.

في المقابل، انتشرت مقاطع من الخطاب بشكل واسع، خاصة في أوساط الشباب، وجرى تداول شعارات من خطابه في هتافات محدودة خرجت في مناطق عدة، أبرزها في الأردن، ما يعكس تعطّش الشارع لصوت عربي يتجاوز التردد الرسمي.

خطاب الحية كاشف لا محرّض

لا يمكن النظر إلى خطاب خليل الحية كحادثة معزولة، بل يجب قراءته كمرآة لحالة القطيعة المتزايدة بين الشارع العربي وبعض أنظمته.

الهجوم الإعلامي عليه لم يكن سوى محاولة دفاعية لإخفاء العجز والتواطؤ، لكنه كشف في المقابل حجم الفجوة القائمة، واستمرار الحاجة لصوت فلسطيني مقاوم لا يهادن ولا يساوم، لا في الميدان، ولا في الخطاب.

المعركة في غزة ليست فقط على الأرض، بل في الوعي أيضًا. وكلما ارتفع صوت فلسطيني حرّ، تسارع الإعلام الرسمي إلى تحريفه. وهذه في حد ذاتها إشارة إلى أن الكلمة ما زالت تخيف، وأن للحق مقاومة لا تهزم بالميكروفونات الرسمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى