عاصمة عربية أخرى في بنك أهداف إسرائيل: رسالة بالدم لكل العواصم الأخرى

تعرّي محاولة اغتيال وفد حركة حماس المفاوض في الدوحة بسلسلة غارات إسرائيلية استهدفت العاصمة القطرية، حقيقةً ظلّت السلطات العربية الرسمية ترفض الاعتراف بها: أنّ كلّ عاصمة عربية مرشّحة لتكون هدفًا في بنك الأهداف الإسرائيلي، مهما كان مستوى تطبيعها أو دورها في الوساطة.
وبحسب مراقبين لم يكن القصف مجرّد عملية عسكرية عابرة، بل رسالة استراتيجية صاخبة تقول إن دولة الاحتلال لا تعترف بالسيادة العربية، وإنّ واشنطن شريك كامل في هذه السياسة العدوانية التي ترى الشرق الأوسط “أرضًا سائبة” مفتوحة لإرادة التفوق الإسرائيلي.
ويشدد الكاتب المصري وائل قنديل على أن ما حدث في الدوحة يعيد تعريف الصراع مع دولة الاحتلال بحيث لم يعد الأمر مقتصرًا على غزة أو الضفة الغربية، بل صار شأنًا عربيًا شاملًا. فكل مدينة عربية مرشحة لأن تُعامل كغزة، وكل عاصمة قد تجد نفسها في مرمى الطائرات الإسرائيلية متى شاءت تل أبيب.
وينبه قنديل إلى أن ما جرى عدوان على العواصم والوساطة والسيادة مجتمعة، ويكشف أن دولة الاحتلال لا ترى في العرب شركاء سلام أو حتى جيرانًا يمكن التعايش معهم، بل أهدافًا مؤجلة في عقل صهيوني يرى في الخرائط السياسية الحالية مجرد ممرات عابرة نحو مشروع “إسرائيل الكبرى”.
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة
لم تكن الدوحة مجرّد عاصمة عربية محايدة بل تولت منذ سنوات الوساطة بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة، وقدّمت نفسها كوسيط يعتمد عليه الغرب والولايات المتحدة في إدارة أزمات المنطقة.
لكن العدوان الإسرائيلي حوّل الدوحة من عاصمة الوساطة الأولى إلى ساحة استباحة إسرائيلية مباشرة، على مرأى من العالم.
الرسالة واضحة: لا حصانة حتى لعاصمة تستضيف الوفود الإسرائيلية نفسها وتقدّم أوراق المبادرات الأميركية. فقد كان القصف في لحظة تفاوضية حساسة، يهدف إلى نسف المبادرة الأميركية الأخيرة لوقف الحرب، ولإظهار أنّ تل أبيب لا تعبأ بجهود الوسطاء ولا تعترف بجدوى أي عملية سياسية إلا إذا جاءت خاضعة لشروطها المطلقة.
ويقول قنديل إنّ الضربة الإسرائيلية في الدوحة لا تستهدف حماس وحدها، بل الوساطة كفكرة وأن تل أبيب وواشنطن تريدان أن تُرسخا قاعدة جديدة: كل وساطة عربية ليست إلا فخًا أمنيًا يمكن استغلاله لاختراق المقاومة وملاحقة قياداتها.
وهذا التحطيم المقصود لمفهوم الوساطة يعكس إصرارًا إسرائيليًا ـ أميركيًا على إغلاق أي منافذ سياسية، وتحويل المفاوضات إلى أدوات خداع وتصفية حسابات، فضلا عن توجيه إهانة مزدوجة: استهداف لدولة قطر باعتبارها مضيفة، وتصفية معنوية لمفهوم “العاصمة الوسيطة” الذي بُنيت عليه عقود من التجارب الدبلوماسية في المنطقة.
كل العواصم العربية أهداف محتملة
من تونس التي استُهدفت عبر الاعتداء على سفن “أسطول الصمود” في موانئها، إلى لبنان وسورية والأردن ومصر، وصولاً إلى الدوحة، يثبت الاحتلال أنّ الخريطة العربية كلها مرسومة في عقله كمساحة عمليات مفتوحة.
ليست غزة وحدها هي “الهدف الأمني” الدائم، بل كل مدينة عربية في نظر النخبة الصهيونية يمينية كانت أو يسارية.
المفارقة أن استهداف قطر جاء وهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة خارج حلف الناتو، ما يكشف أنّ دولة الاحتلال لا ترى فارقًا بين العواصم العربية: سواء كانت في محور التطبيع، أو في محور الوساطة، أو حتى في خانة الخصومة، فإنها جميعًا أهداف مشروعة للإجرام الإسرائيلي.
ويؤكد المحلل السياسي من رام الله هاني المصري أن استهداف قيادة حركة حماس في قطر، يمثل جريمة كبيرة وتجاوزاً سافراً لكل الخطوط الحمراء.
ويقول المصري إن هذا الاعتداء لا يمس فقط حركة حماس، بل يطال قطر نفسها بصفتها وسيطاً أساسياً في المفاوضات، وأحد أبرز الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة خارج حلف الناتو.
وهو ما يكشف مجدداً أن حكومة نتنياهو ماضية بعزم لتحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة من حربها ضد الشعب الفلسطيني، وأن إدارة ترامب شريك كامل في هذه الحرب، إلى حد ممارسة التلاعب والخداع عبر تقديم مبادرات سياسية من جهة، والسماح باستهداف القيادات الفلسطينية وتنفيذ خطة احتلال وتهجير مدينة غزة من جهة أخرى.
وبحسب المصري فإن حكام تل أبيب وواشنطن يسعون إلى انتزاع نصر واضح لا لبس فيه، ولهذا يذهبون إلى أبعد مدى في العدوان، طالما أن الردود العربية والإقليمية والدولية، لا تزال عاجزة عن ردع الاحتلال أو وقف جرائم الإبادة الجماعية والتهجير والاحتلال والضم والاستيطان.
وعليه، إذا أراد التحالف الدولي الداعم للاعتراف بالدولة الفلسطينية أن يؤخذ على محمل الجد، فلا يكفي أن يكتفي برفض العدوان والمطالبة بالاعتراف بالدولة، بل لا بد أن يركز جهوده على إنهاء الاحتلال وفرض عقوبات مشددة ومقاطعة جدية ومساءلة قانونية لدولة الاحتلال.