تحليلات واراء

فشل الاحتلال في استمالة عشائر غزة استفتاء شعبي على دعم المقاومة

يرى مراقبون أن فشل الاحتلال الإسرائيلي في استماتة شخصيات نافذة في عشائر وعائلات قطاع غزة هو بمثابة استفتاء شعبي على دعم المقاومة وخياراتها في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية.

وكشفت قناة كان العبرية ومصادر عربية أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك حاول” في الفترة الأخيرة تجنيد شخصيات نافذة من عشائر “بكر” و”دغمش” في مدينة غزة ضمن خطة لتقسيم القطاع إلى مناطق تسيطر عليها عشائر أو مجموعات مسلحة محلية، وذلك في إطار جهود لإضعاف سيطرة حركة حماس وفصائل المقاومة.

وبحسب وسائل إعلام عبرية عرض جهاز الشاباك على تلك العشائر دعمًا إسرائيليًا في حال انخراطها في مواجهة حماس، إضافة إلى تزويد دولة الاحتلال بالمعلومات الأمنية دون مقابل، مقابل ضمان نفوذ سياسي لها لاحقًا في إدارة القطاع ومنع قيام حكومة فلسطينية مستقبلية.

لكن عقب رفض تلك العشائر الانخراط في الخطة، شنّ جيش الاحتلال غارات جوية استهدفت منازل مأهولة وأخرى جرى إخلاؤها.

وأفادت تقارير إعلامية بأن أكثر من 30 شخصًا من عائلة دغمش استشهدوا في قصف استهدف حي الصبرة جنوب مدينة غزة، بينما لا يزال نحو 20 آخرين عالقين تحت الركام. وفي وقت لاحق فجراً، استُهدف منزل لعائلة بُكر في مخيم الشاطئ وأسفر القصف عن استشهاد ستة وإصابة 11 من أفراد العائلة.

حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة

أصدرت فصائل المقاومة الفلسطينية بيانا تشيد وتبارك فيه الموقف الوطني الأصيل الذي سطرته عائلات وعشائر مدينة غزة برفض عروض الاحتلال المخزية بالتعاون معه وتحويل أبنائهم وأفرادها الى عصابات عميلة تعمل ضد شعبها ومقاومته الباسلة.

وأكدت فصائل المقاومة أن رفض العائلات والعشائر الفلسطينية لكافة الاغراءات والمحاولات الإسرائيلية لاختراق الجبهة الداخلية الفلسطينية يمثل ضربة جديدة لدولة الاحتلال وموقف مشرف يسجل في أنصع صفحات التاريخ الفلسطيني.

وشددت على أن المواقف الأصيلة للعائلات والعشائر الفلسطينية تمثل صمام أمام للمجتمع الفلسطيني وصخرة تتكسر عليها كل مخططات العدو الصهيوني وأجهزته الأمنية الهادفة الى تفتيت النسيج الوطني والمجتمعي الفلسطيني.

عشائر غزة ويكيبيديا

تظهر التطورات الأخيرة في غزة جانبان متناقضان يحددان مسار الصراع الداخلي والخارجي: من جهة، تكشف محاولات أجهزة أمنية إسرائيلية استمالة زعامات عشائرية عن وجود استراتيجية طويلة الأمد لتفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني من الداخل.

ومن جهة أخرى، يمثل رفض هذه العشائر للعرض “استفتاءً شعبياً” واضحاً على الموقف الوطني والارتباط بخيارات المقاومة كمشروع لحماية النسيج وحفظ الكرامة.

ويؤكد مراقبون أن هذا الرفض ليس منعزلاً عن السياق الأوسع؛ بل هو نتيجة تراكمات طويلة من التجارب التاريخية والسياسية والاجتماعية التي جعلت كثيرين في القطاع ينفرون من أي شراكة مع قوى خارجية تُعدُّهم ضد شعبهم.

ويفضح الإخفاق الإسرائيلي في شراء الولاءات عبر الاغراءات المادية أو الوعود السياسية ثغرة في فهم تل أبيب للواقع المجتمعي في غزة.

فالعشائر والعائلات الكبيرة هنا ليست مجرد كيانات قبلية تقليدية؛ بل شبكات اجتماعية مترابطة تملك قدرة على تعبئة التأييد، وتتحكم برصيد رمزي وسياسي لدى السكان.

وكان استدراج هذه الطبقات إلى مسار انفصالي الهدف منه خلق حالة “تفتيت” قد تسمح بتقنين نفوذ محلي مسلح مدعوم خارجياً — وما انكشاف هذه المحاولة ورفضها يحول المخطط إلى فشل ذريع يكلف العدو ثمنًا سياسياً وعسكرياً ومعنوياً.

في المقابل فإن رد الفعل الإسرائيلي، على شكل غارات استهدفت منازل ومناطق مأهولة، يعكس من جهة ردة فعل عقابية تهدف إلى ثني العشائر عن موقفها، ومن جهة أخرى يوضح منطق العقاب الجماعي الذي يتبع سياسة استهداف المجتمع المحلي بجرعات رادعة.

لكن هذا الخيار يبدو أنه حقق العكس: فقتل المدنيين ودمار المنازل يعمق الاستياء ويقوّي الروابط مع الفصائل المقاومة التي تقدم نفسها كحامية للمدنيين وللكرامة الوطنية. بهذا المعنى، تتحول الضربات العقابية إلى أداة تقوية للمشروع المقاوم بدل أن تفتت تماسكه.

وتحمل هذه السياسة الإسرائيلية تبعات استراتيجية واسعة. داخلياً، يعزز رفض العشائر لعملية التجنيد شرعية الفصائل ويقلص هامش المناورة أمام محاولات أي حزب أو قوة محلية ترغب في إعادة ترتيب المشهد على أساس تعاون مع الاحتلال.

كما تبرهن وقائع رفض العشائر في غزة أن النسيج الاجتماعي ما زال قوة حاسمة في مواجهة السياسات الخارجية الساعية إلى تفكيكه. وعلى الرغم من أن الضربات الجوية شكلت ثمنًا بشريًا فادحًا، فإن الحساب السياسي بالنسبة لإسرائيل يبدو خاسراً.

فالاستماتة في استمالة العشائر انتهت بأن تكون مؤشراً على تماسك داخلي وتصويتاً جماهيرياً على خيارات المقاومة، بينما بقيت نتائج العنف والضغط منعكسة في تعزيز الوحدة الشعبية وشرعية المطلوبين للمواجهة والدفاع عن المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى