تحليلات واراء

تقليل قدرات المقاومة في غزة: أسلوب قذر لشبكة أفيخاي

مع قرب دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الثالث، وبعد أكثر من 700 يوم من القصف والحصار والمجازر، ما زال شعب غزة يثبت أنه قادر على الصمود وتطوير قدرات المقاومة، ليس فقط في الميدان العسكري، بل أيضاً في ساحة الوعي والإرادة.

في المقابل، تتصاعد محاولات “شبكة أفيخاي” – وهي شبكة من المرتزقة الإعلاميين المرتبطين بدوائر السلطة الفلسطينية وأجهزة الاحتلال – لتقليل قيمة إنجازات المقاومة، والتشكيك في أي عملية نوعية تنفذها الفصائل المسلحة.

ثائر أبو بكر… من دبلوماسي إلى “خبير عسكري”

أحد أبرز الأمثلة على هذا الخطاب كان من خلال تصريحات ثائر أبو بكر، السفير الفلسطيني المنخرط في إطار شبكة أفيخاي.

فالرجل الذي لم يعرف عنه يوماً أي خبرة في الشؤون العسكرية، خرج فجأة محللاً استراتيجياً ليدّعي أن المقاومة لم تطلق صاروخاً مضاداً للطائرات في قطاع غزة. وذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن ما جرى مجرد “ذريعة” يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لتصعيد عدوانه.

هذا الموقف ليس مجرد زلة لسان، بل يعكس نهجاً ممنهجاً: إنكار المقاومة وتبخيس إنجازاتها، حتى عندما يضطر جيش الاحتلال نفسه إلى الاعتراف بوقوع الحادثة وفتح تحقيق حولها.

مصطفى عصفور… تغريدة منزعجة أكثر من العدو

لا يقل غرابة ما كتبه المرتزق الإعلامي مصطفى عصفور، الذي نشر تغريدة غامضة ومرتبكة، لم تحمل سوى انزعاجه من نجاح المقاومة في إطلاق الصاروخ المضاد للطائرات.

اللافت أن انزعاجه بدا أكبر من انزعاج الاحتلال ذاته، الذي تعامل مع الحادثة بجدية واعتبرها مؤشراً خطيراً على تطور قدرات المقاومة.

هذا النمط من الخطاب، الذي يلتقي فيه صوت بعض المنتفعين مع رواية العدو، يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن لشخصيات فلسطينية أن تصطف في المعسكر المعادي لدم شعبها؟

ويظهر ذلك أن الحرب الدائرة على غزة ليست فقط حرب دبابات وصواريخ، بل هي أيضاً حرب روايات ومعركة وعي. الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى تصوير المقاومة كتنظيم ضعيف، فاقد للقدرة على الاستمرار، بهدف إحباط الشعب الفلسطيني وإقناعه بأن لا جدوى من الصمود.

لكن الأخطر أن هذه الرواية تجد من يروّج لها من الداخل الفلسطيني عبر شبكة أفيخاي وأذرعها الإعلامية. فالتشكيك في كل عملية مقاومة، والاستخفاف بأي تطور نوعي، لا يخدم سوى هدف واحد: إضعاف ثقة الناس بمقاومتهم.

محاولة اغتيال الروح الوطنية

لا يمكن فصل هذه التصريحات عن سياق أوسع من محاولات السلطة الفلسطينية وبعض المقربين منها لتقويض نموذج المقاومة في غزة.

فمنذ سنوات، تحاول السلطة تسويق نفسها كشريك “واقعي” للغرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مقابل تقديم المقاومة كخيار عبثي لا يجلب سوى الدمار.

لكن الحقيقة على الأرض تقول غير ذلك: غزة، رغم كل الجراح، استطاعت أن تصمد وتُبقي الاحتلال في مأزق عسكري وسياسي وأخلاقي غير مسبوق.

وهذا ما يجعل أي إنجاز ميداني للمقاومة – مهما كان محدوداً – مصدر إزعاج لشبكة أفيخاي، التي ترى في نجاح المقاومة تهديداً لمشروعها السياسي القائم على الاستسلام والتنسيق الأمني.

كما أن المفارقة الصادمة أن جيش الاحتلال نفسه اعترف بالحادثة وفتح تحقيقاً حولها، بينما يسارع المرتبطون بشبكة أفيخاي إلى الإنكار والتشكيك.

وتكشف هذه المفارقة أن المعركة لم تعد فقط بين الفلسطيني والإسرائيلي، بل أيضاً بين فلسطيني متمسك بخيار المقاومة وآخر يراه عبئاً يجب التخلص منه بأي ثمن.

يضاف إلى ذلك أن التقليل من شأن المقاومة ليس أسلوباً جديداً. فمنذ الانتفاضة الأولى، وُجدت أصوات داخلية تحاول تصوير الكفاح المسلح كعمل مراهق أو غير محسوب.

لكن الجديد اليوم هو حجم التماهي مع الرواية الإسرائيلية، وجرأة بعض المرتزقة على المجاهرة بعدائهم العلني للمقاومة، حتى في لحظة يتعرض فيها شعب غزة لإبادة جماعية موثقة أمام أعين العالم.

وبحسب مراقبين فإن إنكار هذه التطورات العسكرية لا يهدف فقط إلى إحباط الشعب الفلسطيني، بل يخدم أهدافاً سياسية أعمق:

تهيئة الأرضية لمشروع “اليوم التالي” الذي يروّج لإدارة دولية أو عودة السلطة إلى غزة تحت وصاية الاحتلال.

إضعاف شرعية المقاومة عبر تصويرها كطرف فاقد للمصداقية.

إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية كشريك وحيد “معقول” يمكن للعالم التعامل معه.

في المقابل فإن شعب غزة الذي يعيش تحت النار لا يحتاج إلى أصوات تُذكّره بضعفه، بل إلى من يرفع معنوياته ويثبّت صموده. كل صاروخ يطلق، وكل كمين ينفذ، هو رسالة بأن المقاومة لا تزال قادرة على الإبداع والرد رغم الظروف المستحيلة.

أما الأصوات التي تستهزئ أو تقلل، فهي لا تعكس سوى عقدة عجز سياسية أمام مشروع المقاومة، الذي أثبت أنه قادر على البقاء والتطور رغم أنف الاحتلال ورعاته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى