اعتقال الصحفي عنان الشامي دليل آخر على القمع السياسي الشامل في الضفة

تستمر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بممارسة القمع السياسي بشكل منهجي، آخر تجلياتها احتجاز الصحفي عنان الشامي من مدينة نابلس منذ أكثر من شهر، على الرغم من صدور قرار قضائي بالإفراج عنه.
ويعكس ذلك حدة استهانة السلطة بالقوانين وبالسلطة القضائية، وتؤكد أن القمع أصبح أداة متبعة لتكميم الأفواه وترهيب الصحفيين والنشطاء الذين يغطون قضايا الحريات والاعتقال السياسي.
وقد اعتُقل عنان الشامي مطلع نوفمبر 2025 من قبل قوة أمنية تابعة للسلطة، دون أن توجه له أي لائحة اتهام، في انتهاك صريح لمبادئ القانون وحقوق الإنسان الأساسية.
ورغم صدور قرار بالإفراج عنه من قبل القضاء، ترفض أجهزة السلطة تنفيذه، في تجاوز واضح يعكس ازدواجية المعايير، ويضع النظام القضائي تحت الضغط، ويُظهر هشاشة استقلاله أمام الأجهزة الأمنية.
ويشكل ذلك جزء من نمط ممنهج للقمع السياسي الذي تشهده الضفة الغربية. فالسلطة صعدت في الأشهر الأخيرة من اعتقال الصحفيين والنشطاء، وفرضت قيودًا صارمة على حرية التعبير والعمل الإعلامي، في محاولة لترهيب المجتمع المدني وخلق حالة من الخوف العام تمنع المواطنين من المطالبة بحقوقهم.
وقد عبرت عائلة عنان الشامي عن استنكارها العميق لتمادي السلطة في احتجازه، مطالبة بالإفراج الفوري عنه وضمان سلامته، فيما دعت مؤسسات حقوقية محلية ودولية إلى تدخل عاجل لإنهاء هذه الانتهاكات، والضغط على السلطة لاحترام حكم القضاء.
ويبدو أن نشاط الشامي الإعلامي وتغطيته لقضايا الحريات والاعتقال السياسي كان السبب المباشر وراء استهدافه، مما يجعل احتجازه انتهاكًا للحق الأساسي في حرية الصحافة والعمل الإعلامي، ويمثل رسالة تحذير لكل من يحاول فضح الانتهاكات أو النقد العلني للسلطة.
السلطة الفلسطينية ويكيبيديا
تواجه السلطة انتقادات مستمرة من مؤسسات حقوق الإنسان بسبب سياسات القمع الشامل التي تتجاوز الاعتقالات التعسفية لتشمل التضييق على الإعلاميين، وفرض الرقابة على المنصات الإعلامية، وتوجيه التهم السياسية التي تفتقر لأي أساس قانوني، وتحويل الأجهزة القضائية إلى أداة تأييد للإجراءات الأمنية غير القانونية.
ولا تؤدي هذه الممارسات فقط إلى انتهاك الحقوق الفردية، بل تضعف الثقة العامة في المؤسسات الفلسطينية، وتوسع الشرخ بين القيادة والشعب، في وقت يحتاج فيه المجتمع الفلسطيني إلى الوحدة والالتفاف حول قضاياه الوطنية.
وتعكس الاعتقالات التعسفية المستمرة تراجعاً خطيراً في مستوى الحريات العامة في الضفة الغربية، إذ يصبح المواطنون عرضة لممارسات أمنية تعسفية، تشمل الاستدعاءات المستمرة والتهديد بالملاحقة القانونية أو الأمنية، لمجرد التعبير عن رأي أو ممارسة نشاط مدني أو صحفي.
إذ تشهد الضفة الغربية منذ سنوات حالة متصاعدة من القمع ما أدى إلى إضعاف الحريات العامة وتقييد العمل السياسي والمدني، وخلق بيئة من الخوف والترهيب تمنع المجتمع من ممارسة حقوقه الأساسية.
ووفقاً لتقارير حقوقية محلية ودولية، فقد صعدت السلطة من حملاتها الأمنية ضد كل من يعبّر عن موقف سياسي مخالف، سواء كان ناشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي أو صحفياً أو حتى مواطناً عابراً عبر الأحياء والمدن.
وقد أصبحت الاعتقالات التعسفية والاستدعاءات المستمرة لمراكز الأمن، إضافة إلى المضايقات المتكررة ضد العائلات، أدوات منهجية لإخضاع المجتمع، وإرسال رسالة واضحة مفادها أن أي نقد أو معارضة سيواجه بالقمع.
الإعلام الفلسطيني الرسمي
على صعيد الإعلام، تسيطر السلطة الفلسطينية بشكل كامل على المشهد الإعلامي، وتفرض قيوداً صارمة على الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة، بما في ذلك حجب مواقع إلكترونية، وفرض رقابة مسبقة على النشرات الإخبارية، وملاحقة الصحفيين قانونياً وأمنياً.
وبحسب مراقبين يضعف هذا الواقع حرية الرأي والتعبير، ويحول الإعلام الفلسطيني إلى أداة لخدمة السلطة، بدلاً من كونه منصة لرصد الواقع وفضح الانتهاكات.
كما يعاني المجتمع المدني من ضغوط متواصلة، حيث تمارس السلطة السيطرة على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وتفرض قيوداً على عملها وميزانياتها، مع تهديدات مباشرة للعاملين فيها ما يقوض القدرة على تنظيم المجتمع والمطالبة بحقوقه، ويضعف قدرة الفعاليات الشبابية والمجتمعية على المبادرة أو التعبير عن مصالحها بشكل مستقل.
كما أن الواقع على الأرض في الضفة الغربية يظهر أيضاً التلاعب بالقوانين لإضفاء شرعية مزيفة على الاعتقالات والمضايقات.
إذ تم توظيف الأجهزة الأمنية لتطبيق قوانين غامضة وغير عادلة، تشمل التهم السياسية أو الأمنية الموجهة لأشخاص لم يرتكبوا أي جريمة حقيقية، بهدف خلق جو من الرعب والتهديد الدائم. وحتى المحاكم، التي من المفترض أن تكون وسيلة للعدالة، غالباً ما تُستغل لتغطية سياسات القمع بدلاً من حماية الحقوق.
الحريات في الضفة الغربية
تأثير هذا القمع الشامل ليس محصوراً على النشطاء السياسيين فقط، بل يمتد إلى الحياة اليومية للمواطنين، حيث يخلق شعوراً بالانكفاء والخوف من المشاركة في أي نشاط عام أو سياسي.
فالشباب، الذين يمثلون عماد المستقبل الفلسطيني، يجدون أنفسهم في مواجهة معركة مزدوجة، مع الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومع السلطة التي تفرض القيود على حرية التعبير والنشاط المدني من جهة أخرى. هذا الواقع يعمّق الإحباط ويزيد من ضعف الشارع الفلسطيني أمام التحديات الحقيقية.
ومن بين مظاهر هذا القمع، يمكن الإشارة إلى استهداف النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم مراقبة حساباتهم وحذف المنشورات، وتهديدهم بالاعتقال أو العقوبات المالية، لمجرد التعبير عن موقف سياسي أو انتقاد السلطة. كما تتعرض العائلات لضغوط مباشرة، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية للأقارب، أو منعهم من السفر أو ممارسة حقوقهم الأساسية.
ويكرس كل ذلك أزمة حقيقية في مفهوم الدولة والمؤسسات في الضفة الغربية، إذ تتحول الأجهزة الأمنية من أدوات حماية المجتمع إلى أدوات قمع وإرهاب مدني.
ويطرح ذلك السؤال الأكبر حول جدوى هذه السياسات، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل التحدي الأساسي أمام الفلسطينيين، حيث يصبح القمع الداخلي عبئاً إضافياً يضعف القدرة على مواجهة الاحتلال وحماية الحقوق الوطنية.




