مقتل ياسر أبو شباب: سقوط “الوكيل الأمني” يكشف الفشل الإسرائيلي الذريع

أجمع محللون على أن مقتل ياسر أبو شباب يمثل واحدة من أقسى الضربات التي تتلقاها دولة الاحتلال منذ بدء حربها على غزة، بسبب الرمزية الكارثية لفشله كمشروع وظيفي بُذِل في بنائه جهد هائل، وبات يشكل ركيزة أساسية في خطة الاحتلال لبناء قوة محلية تخوض حرباً أمنية بالوكالة ضد المقاومة.
فالنهاية المذلة التي انتهى إليها أبو شباب تشكل صفعة تعري مشروعاً إسرائيلياً كاملاً، كان من المفترض أن يشكل تحوّلاً استراتيجياً في إدارة الاحتلال لقطاع غزة بعد الحرب.
وقد تطور ياسر أبو شباب من “هارب من العدالة” إلى لص محدود، ثم قائد لعصابة، وأخيراً زعيماً لمليشيا مسلحة تعمل وكيلةً أمنية لإسرائيل.
إذ سلّحته تل أبيب إلى جانب دولة عربية مطبّعة بمعدات عسكرية ومركبات، ووفرت له الإسناد اللوجستي والغطاء الجوي ليمارس دوره في ملاحقة واعتقال وقتل مدنيين وعناصر مقاومة، كما حدث مع الدكتور مروان الهمص وابنته تسنيم، والمطاردين من كتائب القسام وسرايا القدس في رفح.
واستخدم الاحتلال مجموعاته كـ”كلاب حراسة” وكاسحات بشرية لتمشيط البيوت والمناطق المشكوك بوجود كمائن فيها، في صورة تُجسِّد مستوى الارتهان الذي وصل إليه ودورهم الانتحاري لخدمة جيش الاحتلال.
كيف قتل ياسر أبو شباب ؟
راهنت دولة الاحتلال على أن يتحول أبو شباب إلى “النموذج المطلوب” لتشكيل قوة محلية بديلة عن المقاومة، تتبع للاحتلال فكرياً وسياسياً وأمنياً، وتُعادي المقاومة وتحاربها، ولا ترتبط بالسلطة الفلسطينية.
وبحسب مراقبين فإن هذه المقاربة كانت جزءاً من خطة أبعد: تشكيل نظام أمني-اجتماعي جديد في غزة بعد الحرب، يدار عبر شبكات ولاءات وعصابات محلية محسوبة على الاحتلال، تكون بمثابة “جيش لحد جديد” على الأرض الفلسطينية.
وفي فترة معينة، بات أبو شباب مصدر إلهام لكل المجرمين والعصابات التي رأت في الحرب فرصة لجمع المال والسلاح والنفوذ، من أجل حجز مكان في “غزة الجديدة” التي تريد دولة الاحتلال صناعتها على أنقاض المقاومة.
وبالفعل، نشأت تشكيلات مشابهة من عملاء أمثال أشرف المنسي (الجيش الشعبي شمال القطاع) وحسام الأسطل وشوقي أبو نصيرة (خانيونس) ورامي حلس (الشجاعية).
وقد كانت هذه التشكيلات تعمل بنفس المنطق: خدمة الاحتلال مقابل المال والسلاح والحماية الجوية. لكن سقوط أبو شباب قلب المعادلة، وضرب مصداقية هذه المجموعات في الصميم.
عصابات الاحتلال في غزة
أخطر ما فعله أبو شباب في الأشهر الأخيرة هو محاولة هندسة وعي اجتماعي جديد عبر تطبيع التعاون الأمني مع دولة الاحتلال ومركز التنسيق الأمريكي، وإعداد مواد تعليمية وتشكيل لجان مجتمعية تمهيداً لخطة الاحتلال لبناء مدينة “إنسانية” في رفح لنقل النازحين إليها.
لكن هذه المحاولة فشلت بالكامل لأن المجتمع الغزي – الذي عاش عامين من الإبادة – رفض الفكرة من جذورها، ولم يمنحها أي شرعية اجتماعية.
وقد جاءت النهاية الذليلة والمهينة وبالطريقة التي تليق بالخونة أمثال ياسر أبو شباب فيما كان هذا الحدث كفيلاً بتدمير ما تبقى من هيبة الميليشيات المتعاونة، التي اهتزت صورتها بالكامل، وتراجعت ثقة الأطراف الإقليمية والدولية التي كانت تراهن عليها في هندسة الوضع الأمني الجديد في غزة.
وقد شكلت الفرحة الشعبية الواسعة في غزة مقابل حالة الحزن والخيبة التي ظهرت في مجموعات الأخبار العبرية، شهادة واضحة على اختلاف الضفتين حيث في غزة سقوط خائن وفي دولة الاحتلال سقوط ورقة استراتيجية مهمة وفشل الوكيل المحلّي الذي كان يمكن البناء عليه
ويقول الخبير العسكري رامي أبو زبيدة إن سقوط أبو شباب “النهاية الطبيعية لأي ميليشيا تتبع للاحتلال وتعمل تحت عباءته”.
ويرى أبو زبيدة، أن الحدث يتجاوز الجانب الأمني ليكشف فشل الاحتلال في تشكيل قوة بديلة داخل غزة، وعدم قدرته على تكرار تجربة “جيش لحد” في جنوب لبنان، رغم كل الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمه لتلك المجموعات.
ويضيف أن تحركات أبو شباب كانت مكشوفة منذ البداية، وجرى رصد نشاطه مبكراً، وأن الاحتلال نفسه لم ينجح في حمايته رغم توفير الدعم الجوي والاستخباري له، وهو ما تُقرّ به وسائل إعلام عبرية.
ويشدد أبو زبيدة على أن المجتمع الغزي كان العامل الحاسم الذي أسقط المشروع الإسرائيلي، فهو مجتمع لا يمنح غطاءً لأي ميليشيا تعمل ضد شعبها. ويرى أن قدرة المقاومة على ضبط الأمن وملاحقة المجموعات المنفلتة لا تزال قائمة رغم ظروف الحرب القاسية.
سقوط أبو شباب هو سقوط مشروع كامل
لم يكن أبو شباب مجرد شخص، بل مشروعاً إسرائيلياً كاملاً لبناء قوة وظيفية تحكم غزة بعد الحرب.
واليوم، مع مقتله، تلقّت دولة الاحتلال ضربة استراتيجية قاسية، وأسقطت أهم أدواتها، وانكشف فشلها في تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية للمقاومة.
ويؤكد هذا السقوط أن غزة – مهما اشتدت محنتها – لن تقبل بديلاً مصطنعاً، ولن تسمح للاحتلال بصناعة وكلاء محليين، وأن كل من يعمل خارج الإجماع الوطني مصيره السقوط، كما سقط أبو شباب.





