تحليلات واراء

استبعاد توني بلير: صفعة للسعي الإماراتي للهيمنة في رسم مستقبل غزة

من يتابع كواليس المشهد السياسي المتشابك حول غزة يدرك أن الصراع الحقيقي لا يدور فوق الأنقاض أو في غرف المفاوضات العلنية، بل في دهاليز النفوذ، حيث تتنافس العواصم الإقليمية والدولية على من سيملك “مفاتيح المرحلة الثانية” وحق رسم مستقبل القطاع.

في هذا السياق، كان سقوط اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير حدثًا كاشفًا، ليس لأنه شخصية مثيرة للجدل، بل لأنه فضح حجم التناحر المكتوم بين الإمارات والسعودية، والتباين الحاد بين الأجندات المتصارعة قبل أن تبدأ ترتيبات “اليوم التالي” فعليًا.

ووفق مصادر منصة The Dark Box، تحركت أبوظبي خلال الأسابيع الماضية في حملة مكثفة لإقناع واشنطن بتعيين توني بلير رئيسًا للمجلس التنفيذي التابع لـ“مجلس السلام” المقترح في خطة ترامب لإدارة غزة.

من وجهة نظر الإمارات فإن تعيين بلير يمثل رصيدًا استراتيجيًا باعتباره يعرف دهاليز صناعة القرار الغربي وصاحب علاقات واسعة مع شبكات النفوذ المالي والسياسي في المنطقة وهو بين أبرز الوجوه التي استخدمتها أبوظبي سابقًا في مشاريع “إعادة الهندسة” السياسية بعد الأزمات.

وبلير بالنسبة لأبوظبي أداة نفوذ مضمونة تضمن للإمارات موطئ قدم في مستقبل غزة، تمامًا كما فعلت في ملفات أخرى عبر شخصيات مشابهة تولت تصميم أنظمة ما بعد الصراعات. لكن حسابات أبوظبي لم تصمد طويلًا.

السعودية تدخل المشهد… وتُجهض مشروع الإمارات

في اللحظة التي بدأ فيها البيت الأبيض ينظر بجدية إلى ترشيح بلير، جاءت الرسالة السعودية واضحة وحاسمة بأن توني بلير خارج اللعبة.

وترجح مصادر دبلوماسية أن اعتراض السعودية نابع من قناعة مفادها أن وجود بلير يعني عمليًا منح الإمارات دور “الوصي” على مسار غزة السياسي، بما يتعارض مع رؤية الرياض التي تسعى لأن تكون ترتيبات ما بعد الحرب نتاج توافق إقليمي لا مشروع دولة واحدة.

فقد أدرك محمد بن سلمان الذي بات اليوم الشريك الأكثر وزنًا لواشنطن في ملفات الطاقة والدفاع والتحولات الإقليمية، أن بلير هو امتداد مباشر لنفوذ محمد بن زايد، وأن السماح له بقيادة المجلس التنفيذي يعني منح أبوظبي حقًا استثنائيًا في تصميم مستقبل القطاع، وربما فرض نموذج إماراتي لطالما أثار الجدل في المنطقة.

من جهتها أدركت الإدارة الأميركية أمرين أساسيين بأن أي مجلس لإدارة غزة سيولد مشلولًا إذا بدأ بخلاف سعودي–إماراتي وأن استقرار المنطقة بعد حرب غزة لن يتحقق دون شراكة استراتيجية مع الرياض.

وفي ظل التقارب المتسارع بين واشنطن والرياض، من ملف الدفاع الإقليمي إلى خطط إعادة الإعمار وترتيبات المرحلة السياسية القادمة، كان من الطبيعي أن تختار الولايات المتحدة الاصطفاف مع السعودية لا مع الإمارات.

وقد جاء الحسم سريعًا باستبعاد توني بلير نهائيًا من المقترح الأميركي.

بهذا المعنى، جاء استبعاد بلير ليوجه ضربة مباشرة لطموحات أبوظبي في تحويل غزة إلى ساحة نفوذ جديدة تدار من خارج سياقها الوطني كنموذج مستنسخ من تجارب إماراتية في أماكن أخرى، من اليمن إلى القرن الأفريقي.

وبينما تصر الإمارات على بناء “هندسة سياسية” لما بعد الحرب تُدار عبر شخصيات دولية موالية لها، ترى السعودية أن مستقبل غزة يجب أن يتشكل ضمن إطار عربي أوسع، وليس وفق طموحات دولة قررت أن تتفرد بكل الملفات من ليبيا إلى السودان إلى الخليج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى