تحليلات واراء

يوم القيامة يقترب في الضفة الغربية فيما السلطة الفلسطينية تواصل عملها كالمعتاد

سلط موقع بريطاني الضوء على أنه في وقت تتصاعد المخاوف من ضم الاحتلال الإسرائيلي رسميا كامل أراضي الضفة الغربية وتتواصل حرب الإبادة على غزة فإن السلطة الفلسطينية تواصل عملها كالمعتاد.

وأكد موقع Middle East Eye أن نهج السلطة الفلسطينية “العمل كالمعتاد” وسط الإبادة الجماعية المستمرة على بعد كيلومترات فقط يكشف عن الخلل الكامل في النظام السياسي الفلسطيني.

وأشار إلى أنه في مدينة رام الله، بينما تحولت غزة إلى أنقاض ويتحمل أهلها فظائع لا توصف، تواصل البلديات المحلية أعمال البناء الاعتيادية واستبدال خطوط الأنابيب حتى وقت متأخر من الليل.

وقال إن عبثية هذه اللحظة ساحقة “فهي تتناقض بشكل صارخ مع الدور المحوري الذي لعبته البلديات، كجزء من القيادة السياسية التي وجهت النضال الفلسطيني، خلال الانتفاضة الأولى”.

في ذلك الوقت، كانت البلديات المحلية جزءًا لا يتجزأ من المقاومة الشعبية. فقد عملت على تنسيق العصيان المدني، وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود، وتوفير الحكم الرشيد في ظل قيود لا يمكن تصورها. لكن اليوم، تبخر هذا الشعور بالهدف تقريبا.

خلل شامل

إن نهج “العمل كالمعتاد” في مواجهة الإبادة الجماعية المستمرة على بعد كيلومترات فقط، والشعور بيوم القيامة الذي يلوح في الأفق في الضفة الغربية المحتلة، لا يسلط الضوء على التراجع في دور البلديات فحسب؛ بل يكشف أيضًا عن الخلل الكامل في النظام السياسي الفلسطيني.

من المجالس المحلية إلى الأحزاب السياسية والسلطة الفلسطينية، لا يمكن إنكار الانهيار. لقد كان عدم أهمية السلطة واضحا لسنوات، ولكن عجزها في ظل الأحداث الحالية مذهل.

في هذه المرحلة، يبدو أن السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وحدها هي التي تواصل الحياة كما لو كانت طبيعية. أما بالنسبة لبقية المواطنين، فإن واجهة الحياة الطبيعية ما هي إلا حجاب رقيق يخفي وراءه الصدمة الجماعية والحزن العميق.

نعم، المطاعم والحانات والمقاهي مفتوحة. يستيقظ السكان ويذهبون إلى العمل ويذهب الأطفال إلى المدرسة. لكن هذه اللحظات ليست علامات على الحياة الطبيعية؛ إنها آليات للتكيف.

إن واقع الحال للمواطنين في الضفة الغربية أنهم محاصرون في مساحة حدودية، معلقون في الوقت، متشبثون بإحساس بالروتين بينما يتوقعون الحلقة التالية من هذه الكارثة المستمرة.

المصير المروع الذي يقترب

إن كان هناك من يشكك في المصير المروع الذي يهدد الضفة الغربية، فما عليه إلا أن ينظر إلى الأحداث التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية.

فالهجمات التي يشنها المستوطنون على القرى الفلسطينية مستمرة ـ حيث يحرقون المنازل والسيارات وبساتين الزيتون.

ولا تقتصر هذه الهجمات على تدمير الممتلكات؛ بل إنها تترك ندوباً عميقة في نفوس المواطنين، فتودي أحياناً بحياة الكثيرين وتزرع الرعب في نفوسنا.

وفي جنين وطولكرم كانت الهجمات أكثر تدميراً، حيث استهدفت مخيمات اللاجئين بضراوة شديدة حتى أن البنية التحتية بأكملها تحولت إلى أنقاض.

لقد تم القضاء على عائلات بأكملها في ضربة واحدة. هذه ليست حوادث معزولة؛ بل هي حملات متعمدة ومنهجية لمحو ما تبقى من سلامة واستقرار وأمل أهل الضفة الغربية جميعا.

وفي الوقت نفسه، يواصل الاقتصاد في الضفة الغربية الانهيار، ويختنق تحت وطأة القيود المشددة على الحركة. والآن تسيطر نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية على مداخل ومخارج كل بلدة ومدينة وقرية تقريباً، مما يحول حتى أبسط رحلة إلى محنة من الإذلال والخوف.

إن الجو في الضفة الغربية مأساوي، وإن كان مختلفاً عن غزة. فليس الرعب الفوري الناجم عن سقوط القنابل من السماء، بل المحو البطيء والمزعج ـ اختناق الأمل والحياة ومشاهدة الحياة والمستقبل يُسرقان تدريجيا.

إن حالة عدم اليقين هذه مثيرة للغضب والغضب ــ ليس فقط بسبب الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة، بل بسبب المخاوف من مصير الضفة الغربية المحتلة.

إذ أن المخطط أكثر وضوحا من أي وقت مضى مع رئاسة ترامب المقبلة: الضم الكامل للضفة الغربية، والتطهير العرقي المتوقع في المنطقة (ج)، والتفكيك المنهجي لأي مظهر من مظاهر الدولة الفلسطينية – أو حتى الوجود.

لقد استغرقت هذه الخطة سنوات طويلة من التحضير، بدعم من المستوطنين الذين شجعهم الجيش الإسرائيلي وحماهم. ولكن تنفيذها الكامل يبدو الآن وشيكاً، وهو ما يلقي بظلاله على ما تبقى من مستقبل فلسطيني.

ربما كانت البلدية ومؤسسات السلطة الفلسطينية الأخرى تؤدي عملها كالمعتاد. وربما كان لزاماً التظاهر بأن الحياة لم تنهار. ولكن الحقيقة أشد قتامة وأشد إيلاماً وأكثر رعباً مما قد تخفيه أي واجهة.

إذ أن واقع الحال في الضفة الغربية لا يعبر سوى عن شعب بلا قيادة سياسية أو خطة، ويستعد بصمت لما يبدو وكأنه نهايته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى