عباس بلا شرعية ولا أفق: قيادة منفصلة عن شعبها تقود القضية نحو الانهيار

يواصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ ما يقارب العقدين، تصدر المشهد الرسمي الفلسطيني بلا شرعية ومن دون أي حاضنة شعبية حقيقية أو تفويض وطني متجدد، في ظل تراجع غير مسبوق لشعبيته واتساع الفجوة بينه وبين الشارع الفلسطيني.
ويبرز الكاتب والمحلل السياسي نبهان خريشة، أن هذه الحقيقة حول عباس لم تعد محل همس أو تقدير نخبوي، بل باتت قناعة عامة، في ظل واقع نهج سياسي عقيم، وسلطة بلا أفق، وقيادة منفصلة عن نبض شعبها.
وبحسب خريشة، فإن الرأي العام الفلسطيني لم يعد يرى في مسار عباس السياسي سوى طريق مسدود، عاجز عن وقف الاستيطان، أو حماية الأرض، أو تحقيق أي إنجاز سياسي يُذكر.
فبعد سنوات طويلة من الرهان على المفاوضات والالتزامات الدولية، لم يحصد الفلسطينيون سوى مزيد من التوسع الاستيطاني، وتهويد القدس، وتكريس الوقائع على الأرض.
وقد بات هذا الفشل التراكمي كنتاج مباشر لنهج كامل أثبت عجزه البنيوي عن مواجهة مشروع استعماري إحلالي لا يعترف أصلاً بوجود شريك فلسطيني ذي سيادة.
محود عباس ويكيبيديا
الأخطر أن عباس لم يكتفِ بالتمسك بنهج فقد شرعيته السياسية، بل عمل على تركيز السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بيده، في ظل غياب كامل لأي استحقاق انتخابي، وتعطيل متعمد للمجلس التشريعي.
وهذا الاحتكار للسلطة، كما يوضح خريشة، لم يُضعف فقط الشرعية الديمقراطية للنظام السياسي، بل عمّق الشعور الشعبي بأن السلطة تحولت إلى كيان مغلق، يُدار بقرارات فردية، بعيدًا عن أي رقابة أو مساءلة. وهكذا لم يعد النقد موجّهًا إلى سياسات بعينها، بل طال بنية النظام السياسي نفسه، الذي بات يُنظر إليه كعائق أمام تجديد المشروع الوطني.
في هذا السياق، يطرح خريشة سؤالًا جوهريًا: إلى أين يقود عباس الشعب الفلسطيني؟ وما الهدف الحقيقي من الاستمرار في هذا المسار؟.
فالمواقف المعلنة للرئيس، وسلوكه السياسي على الأرض، توحي بأن الأولوية لم تعد للتحرر الوطني، بل للحفاظ على ما تبقى من السلطة ككيان إداري وسياسي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الوطنية، أو في ظل انسداد كامل للأفق السياسي. السلطة، بهذا المعنى، لم تعد وسيلة ضمن مشروع وطني، بل غاية بحد ذاتها.
السلطة الفلسطينية ويكيبيديا
يشير خريشة إلى أن عباس يبدو أكثر خوفًا من انهيار السلطة من ترسيخ الاحتلال نفسه. هذا الخوف يفسر تمسكه الشديد بالتنسيق الأمني، الذي يراه “صمام أمان” يمنع الفوضى ويحافظ على الاعتراف الدولي.
غير أن هذا الخيار، الذي قد يبدو براغماتيًا في حسابات السلطة، لم يعد مقنعًا وطنيًا، بل تحول إلى رمز لفقدان البوصلة. فالتنسيق الأمني، في ظل غياب أي أفق سياسي، لا يُقرأ إلا بوصفه خدمة مباشرة لاستقرار الاحتلال، لا خطوة في طريق إنهائه.
والمشكلة باتت تكمن في غياب أي استعداد للمراجعة أو التغيير. فالإدارة من دون مشروع تحرري تتحول، بالضرورة، إلى عبء على شعبها.
وإن تكريس واقع سلطة تفتقر إلى أدوات الضغط، ولا تمتلك رؤية للمواجهة السياسية أو الشعبية، تصبح مجرد وسيط أمني، يُضبط به الشارع الفلسطيني بدل تمكينه من مقاومة الاحتلال. هذا التحول الخطير في وظيفة السلطة هو ما يفسر حالة الغضب والاغتراب التي تسود الشارع الفلسطيني اليوم.
في المحصلة، يقود محمود عباس فلسطين في مرحلة بالغة الخطورة، من دون شرعية انتخابية، ولا إجماع وطني، ولا مشروع تحرري واضح. استمرار هذا الوضع لا يعني الجمود فقط، بل الانزلاق التدريجي نحو الهاوية: تفكك داخلي، تآكل للتمثيل الوطني، وتعميق لواقع الاحتلال.
وكما يخلص خريشة، فإن سلطة بلا أدوات ضغط، وبلا أفق سياسي، وبلا تفويض شعبي، لا يمكن أن تكون رافعة للتحرر، بل تصبح جزءًا من الأزمة، وربما أحد أسباب إدامتها.




