في “إسرائيل” انتصرت ثقافة الإبادة الجماعية وتريد حربًا لا نهاية لها
لا يقتصر الشعور بالانتقام داخل المجتمع الإسرائيلي على حركة حماس وفصائل المقاومة بل يمتد إلى الشعب الفلسطيني بأكمله في وقت تنتصر ثقافة الإبادة الجماعية في دولة الاحتلال وتريد حربا لا نهاية لها.
ومنذ عام كامل، كانت أجهزة الأمن الإسرائيلية تصر على أن زعيم حماس يحيى السنوار كان مختبئًا تحت الأرض، محاطًا بالأسرى، ومن المرجح أنه كان متنكرًا في هيئة امرأة، ويغطي رأسه ووجهه.
لكن السنوار استشهد في ساحة المعركة في 16 أكتوبر/تشرين الأول، في مواجهة مع القوات الإسرائيلية المسلحة، دون وجود أسرى حوله، وهو يرتدي زيًا قتاليًا.
كان استشهاد السنوار رمزيا، بعد أن تمكن من التهرب من القوات العسكرية الإسرائيلية لمدة عام، مما عزز صورته كزعيم قضى وهو يقاتل وليس من خلال اغتيال إسرائيلي.
وقد أدى توقيت ورمزية استشهاده إلى تحولات سياسية سريعة، وأعاد تركيز الاهتمام من لبنان إلى غزة.
من ناحية أخرى، نظرت عائلات الأسرى الإسرائيليين والإدارة الأمريكية إلى استهشاد السنوار باعتباره فرصة للدفع نحو التوصل إلى صفقة مع حماس لإطلاق سراح الأسرى، مدركين أن مثل هذه الضربة القوية لحماس من شأنها أن تعرض حياتهم للخطر.
ومن ناحية أخرى، استخدم أعضاء اليمين في الكنيست الإسرائيلي، وخاصة من اليمين المتطرف، استشهاد السنوار لتبرير المزيد من الوحشية. وحتى لو وافقوا على صفقة الرهائن، كما بدا أنهم يعتقدون، فإن ذلك سيكون في خدمة هدفهم المتمثل في احتلال غزة والاستيطان فيها.
عدم اليقين يسيطر
لا نعرف بعد ما سيكون مصير الأسرى المتبقين. ولكن بناء على ما رأيناه منذ بداية الإبادة الجماعية ــ فشل استخباراتي دام عاما كاملا، عاجزا عن تحديد مكان السنوار، على الرغم من العنف الوحشي الذي لم يوفر أي وسيلة وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، معظمهم من الأبرياء ــ يبدو أن استشهاده ستجلب قدرا أعظم من عدم اليقين أكثر من أي شيء آخر.
إن الأطفال والنساء والآلاف من الفلسطينيين في غزة الذين قتلوا دون أي مبرر لم يدخلوا في المعادلة. لقد كان هذا ثمناً كان على الشعب الفلسطيني أن يدفعه نتيجة عجز المجتمع الدولي عن وقف الإبادة الجماعية.
بطبيعة الحال، لا يقتصر الأمر على السياسيين اليمينيين ــ هناك غياب صارخ للخطاب العام الإسرائيلي حول عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا لإشعال فتيل المعارضة التي تطالب بوقف إطلاق النار من وجهة نظر أخلاقية، في ضوء الشهادات ومقاطع الفيديو التي لا حصر لها للفلسطينيين في غزة وهم يقتلون بأبشع الطرق التي يمكن تخيلها.
وحتى الآن، بينما يموت مئات الآلاف من الفلسطينيين من الجوع في قطاع غزة الشمالي، هددت الولايات المتحدة، التي تمول الإبادة الجماعية، بعواقب إذا لم تسمح “إسرائيل” بدخول المساعدات الإنسانية.
لكن في كل مكان ننظر إليه ــ سواء في لجان الكنيست، أو استوديوهات الأخبار، أو حتى في الشوارع ــ نرى ثقافة الإبادة الجماعية تتطور حيث يبرر الناس قتل الأطفال الفلسطينيين حتى لا يكبروا ويصبحوا “إرهابيين”.
والأسوأ من ذلك هو أنه مع كل عملية عسكرية إسرائيلية، سواء كانت أخلاقية أم لا، وسواء حققت أهدافها أم لا، فإن الرأي العام يصبح أكثر تأييداً لتوسيع الحرب.
وكان المثال الأبرز في لبنان، حيث كان هجوم أجهزة النداء، بضغطة زر، جاهزاً لإسرائيل للمخاطرة بمقتل الآلاف من اللبنانيين من دون أن تعرف حقاً ما الذي كانت تستهدفه أو الخطر الذي تشكله على الآلاف من المدنيين القريبين.
لقد خلقت هذه الفظاعة دعماً شعبياً في “إسرائيل” لتوسيع الحرب في الشمال. لذا فإن أولئك الذين يعتقدون أن النشوة في المجتمع الإسرائيلي بسبب استشهاد السنوار ستؤدي إلى الشعور بالنصر والتبرير لإنهاء الإبادة الجماعية، ربما يكونون مخطئين.
وكما كتب الصحافي والخبير العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هاريل، بعد أقل من يوم من نبأ استشهاد السنوار، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رأى الآن فرصة لتوسيع الحرب مرة أخرى رداً على إيران، مما قد يؤدي إلى مهاجمة منشآتها النووية وتعريض المنطقة بأكملها، وخاصة حلفائه في المنطقة، للخطر.
وحتى لو أدرك كل من يتمتع بالحكمة السليمة أن مثل هذا الهجوم ستكون له عواقب مدمرة على جميع الأطراف المعنية، وفقا لحسابات نتنياهو السياسية، فلن يكون هناك سبب للتوقف.
إن كلا من أحزاب المعارضة والجمهور تؤيد توسيع نطاق القتال. وحتى يائير جولان، زعيم حزب الديمقراطيين من يسار الوسط، أيد غزوا بريا للبنان حتى قبل نتنياهو.
وباستثناء الترويج لصفقة الأسرى، لا يوجد أي نقاش سياسي في “إسرائيل”. وحتى في مواجهة التهديدات بضرب المنشآت النووية الإيرانية ـ وهو خطر عالمي النطاق ـ فإن المجتمع الإسرائيلي لا يجرؤ على معارضة مثل هذه الخطوة.
كما لا يوجد حتى نقاش حقيقي حول التداعيات الاقتصادية والإقليمية على “إسرائيل” وحلفائها في المنطقة وما قد يتبع مثل هذا الحدث.
لا رغبة في وقف القتل
الأسوأ من ذلك هو أن النقاش الحقيقي الوحيد بشأن الحرب يدور حول توسيع حدود دولة الاحتلال، من غزة إلى الضفة الغربية وجنوب لبنان.
وبعبارة أخرى، فإن المعارضة الوحيدة لنتنياهو الآن تأتي من اليمين، الذي يريد الاستيطان في شمال غزة وجنوب لبنان، وضم الضفة الغربية.
ستواصل إسرائيل هجومها طالما لم تقف في طريقها أي قوة كبيرة، في حين تحاول تشكيل شرق أوسط جديد تكون فيه القوة المهيمنة الوحيدة.
وهكذا فإن جهود زعماء العالم الذين يرون في غياب السنوار فرصة لتعزيز ترتيبات الحكم في غزة وإنهاء الحرب تفشل في فهم ثقافة الإبادة الجماعية داخل المجتمع الإسرائيلي ــ الذي ليس مهتماً بوقف القتل.
وبدلا من ذلك، هناك توجه لتوسيع نطاق القتال وخيال بجر الولايات المتحدة إلى صراع مع إيران.
إن “إسرائيل” سوف تواصل هجومها ما دامت لا توجد قوة كبيرة تقف في طريقها، في حين تحاول تشكيل شرق أوسط جديد تكون فيه القوة المهيمنة الوحيدة. ولن يؤدي هذا الترويج لثقافة الإبادة الجماعية إلا إلى تفاقم الوضع، وسوف يشمل في نهاية المطاف فلسطينيين آخرين.
فبعد مرور عام كامل دون أي حساب أخلاقي لما حدث في غزة، إلى جانب الدعم الغربي لهذه الأعمال، لم يعد هناك أي سبب للتوقف.
نقلا عن Middle East Eye