تحليلات واراء

فتح تروج لخسارة مشروع المقاومة في غزة لكن ماذا عن الضفة؟

في الوقت الذي تحاول فيه حركة فتح تسويق رواية خسارة مشروع المقاومة الفلسطينية في غزة، بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع التي استمرت لعامين، يبقى السؤال الأهم: ماذا عن الضفة الغربية؟.

ففي الضفة الواقع أكثر تعقيداً وأشد قسوة، حيث يكشف الواقع على الأرض أن مشروع التسوية الذي تبنّته فتح منذ اتفاق أوسلو قد فشل فشلاً ذريعاً في حماية الأرض والحقوق الفلسطينية، رغم مرور أكثر من عقدين على هذا المشروع.

وتشير البيانات إلى أن الضفة الغربية فقدت فعلياً نحو 4 آلاف كيلومتر مربع من أصل 5 آلاف كيلومتر كانت تحت السيطرة الفلسطينية أو مهددة بالضم، أي أن أكثر من 80٪ من أراضي الضفة باتت خارج السيطرة الفلسطينية الفعلية.

كما أن هذه الخسارة اليومية والمستمرة للأراضي الفلسطينية لم تعد مرتبطة بقرارات سياسية رسمية فحسب، بل بتحولات فعلية على الأرض، مثل التوسع الاستيطاني المستمر، وبناء البؤر الاستيطانية الجديدة، وتوسعة المستوطنات القديمة التي كانت ضمن الاتفاقيات المزعومة للتجميد.

ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو في منتصف التسعينيات، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية بشكل مذهل، إذ ارتفع من نحو 70 ألف مستوطن إلى حوالي 750 ألف مستوطن اليوم، أي زيادة بأكثر من عشرة أضعاف خلال عشرين عاماً فقط.

وقد انعكست هذه الزيادة على الحياة اليومية للمواطنين من السيطرة على الموارد الطبيعية والمياه إلى حصار الحركة والتنقل، وتقييد البناء والتوسع العمراني الفلسطيني، ما أدى إلى تغيّر ديموغرافي جذرّي في العديد من مناطق الضفة.

وحتى في حال تأجيل قرارات ضم رسمية من قبل سلطات الاحتلال، فإن الواقع على الأرض هو أن الضم يتم يومياً وبطرق غير رسمية، سواء من خلال مصادرة أراضٍ جديدة، أو توسعة مستوطنات قائمة، أو تنفيذ مشاريع بنية تحتية إسرائيلية تفصل الفلسطينيين عن أراضيهم الزراعية وأحيائهم.

وتجعل هذه العمليات اليومية الضفة أكثر هشاشة من أي وقت مضى، ويظهر أن المشروع الذي تبنّته فتح لم يستطع حماية أي مساحة حيوية أو إقامة أي أفق سياسي ملموس.

فتح ونهج التسوية السلمية

ما يزيد الأزمة تعقيداً هو أن عشرين عاماً مرت دون إطلاق أي طلقة مقاومة حقيقية من الضفة الغربية مع إصرار حركة فتح وقيادة سلطة رام الله على نهج التسوية الفاشل.

وبينما غزة تعرضت للإبادة وواجهت حرباً مفتوحة، فإن الضفة كانت شبه محمية من الصدام المباشر، لكنها في الوقت ذاته فقدت كل مقومات المشروع الوطني الفلسطيني على الأرض.

في غزة، المقاومة كانت خيار الفلسطينيين الوحيد لمواجهة الاحتلال، ومع كل التحديات، بقيت الضفة الغربية مشروعاً تروج له فتح عبر مفاوضات، إلا أن هذه المفاوضات لم تحقق أي فائدة ملموسة على الأرض، بل ساهمت في تعزيز السيطرة الاستيطانية وتهميش الفلسطينيين.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، يظهر أن فتح تركز على تصوير غزة كميدان للخسارة العسكرية، متناسية أو متجاهلة ما يحدث في الضفة الغربية، حيث تتقدم دولة الاحتلال بضم الأراضي والتوسع الاستيطاني كسياسة يومية وفعالة، بعيداً عن الضوضاء الإعلامية أو المفاوضات السياسية.

ويكشف هذا التناقض محدودية استراتيجية فتح القائمة على التسوية، ويبرز أنها لم تعد قادرة على حماية المشروع الوطني الفلسطيني أو إقامة أي أفق سياسي للمواطن الفلسطيني، ما يضع الضفة أمام تحديات أكبر بكثير من غزة في السنوات القادمة.

في المحصلة، فإن خطاب فتح حول “خسارة المقاومة في غزة” يبدو محاولة لإخفاء الواقع المرير في الضفة الغربية، حيث السيطرة الإسرائيلية مستمرة، وعدد المستوطنين يتزايد، والمساحات الفلسطينية تتقلص بشكل يومي.

وبحسب مراقبين فإن كل هذا يؤكد أن الضفة الغربية ليست مجرد أرض محتلة، بل ميدان يُدار فيه مشروع التسوية بشكل شبه يومي، بما يخدم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ويؤخر تحقيق أي تقدم في المشروع الوطني الفلسطيني.

وفي ظل استمرار هذا الوضع، يصبح الحديث عن أي أفق سياسي أو حل تفاوضي حقيقي بعيد المنال، وتبقى الأرض الفلسطينية في الضفة أكثر عرضة للضم الفعلي من أي وقت مضى، حتى لو بقيت غزة محور الصراع الإعلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى