تحليلات واراء

عامر بعلوشة.. بوق شبكة أفيخاي وضلع في جبهة التحريض ضد المقاومة

في خضم ما يتعرض فيه قطاع غزة لحرب إبادة ممنهجة تشنها آلة الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، يبرز صوت عامر بعلوشة، ليس كناشط مدني أو إعلامي مستقل، بل كأحد أبرز المحرّضين على المقاومة الفلسطينية عبر خطاب متماهٍ حد التطابق مع الدعاية الإسرائيلية الرسمية.

ومن خلال ظهوره المتكرر على منصات التواصل الاجتماعي، تكرّست صورة بعلوشة كعضو نشط في شبكة “أفيخاي” التي تعمل على ضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتشويه فصائل المقاومة، وتمرير السردية الأمنية الإسرائيلية بلبوس نقد داخلي زائف.

من هو عامر بعلوشة؟

عامر بعلوشة هو ناشط فلسطيني ينتمي إلى دائرة من الأفراد المتعاونين مع أجندات خارجيّة، يتخذون من “النقد الذاتي” ستارًا لتقويض ركائز الصمود المجتمعي في غزة.

لمع اسمه خلال السنوات الأخيرة عبر نشاطه الإعلامي ومداخلاته العلنية التي تهاجم باستمرار فصائل المقاومة، لا سيما حركة “حماس”، تحت ذريعة “المحاسبة” أو “حماية المدنيين”.

لكن تحليل سلوكه الإعلامي يكشف نمطًا واضحًا: بعلوشة لا يهاجم الاحتلال، ولا يتناول جرائمه بحق المدنيين، ولا يشير إلى الحصار ولا المجازر، إنما يركز طاقته التحريضية على مقاومة تحاول ردع العدو، ويحمّلها مسؤولية ما يتعرض له الشعب، في انسجام تام مع المنطق الإسرائيلي الذي يختزل كل معاناة غزة في وجود المقاومة.

تحريض في زمن الكارثة

منذ السابع من أكتوبر، حين شن الاحتلال الإسرائيلي أكثر حروبه دموية على قطاع غزة، ظل عامر بعلوشة حاضرًا كصوت نشاز في المشهد الوطني.

ففي الوقت الذي كانت طائرات الاحتلال تدك الأحياء وتستهدف العائلات وتدفن الأطفال تحت الأنقاض، كان بعلوشة يصبّ تركيزه على تحميل المقاومة مسؤولية الحرب، مستخدمًا خطابًا يتقاطع مع الخطاب الإسرائيلي من حيث المضمون والتوقيت.

وفي منشوراته ومداخلاته الإعلامية، لا يتوانى بعلوشة عن الحديث بلغة اتهامية ضد فصائل المقاومة، بلغة تتضمن مصطلحات مثل “العبث”، “المغامرة”، “المتاجرة بالدم”، وهي مصطلحات ليست غريبة عن القاموس الإسرائيلي الذي يحاول تبرير جرائمه بزعم الرد على “الإرهاب” أو “الهجمات غير المحسوبة”.

لقد صوّر بعلوشة المعركة الكبرى التي تخوضها غزة دفاعًا عن كرامتها وبقائها وكأنها “حماقة سياسية”، في انسلاخ كامل عن السياق الإنساني والأخلاقي والمعنوي للصراع، وفي إنكار للعدوان والاحتلال وسياسات التهجير والمجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين.

بوق دعائي في خدمة أفيخاي

ما يميز خطاب بعلوشة ليس فقط انسجامه مع السردية الإسرائيلية، بل تبنّيه النشط لها، وتقديمها لجمهور فلسطيني وعربي بلغة محلية.

وهذا تحديدًا ما تسعى إليه شبكة “أفيخاي” – وهي شبكة غير رسمية لكنها مرتبطة بمشروع الحرب النفسية الإسرائيلي – عبر أدوات ناعمة، وأصوات تبدو “داخلية”، لكنها تؤدي دورًا وظيفيًا في ترويج الرؤية الإسرائيلية للصراع، والتشكيك في جدوى المقاومة.

فحين تنشر الصحافة الإسرائيلية مزاعم عن “مقرات عسكرية تحت المستشفيات”، أو “تضحية حماس بالمدنيين”، يأتي أمثال بعلوشة ليكرّروا هذه المزاعم من داخل غزة، مستندين إلى ما يوهم بأنه “شهادة محلية”، ما يمنح الدعاية الإسرائيلية غطاءً جديدًا.

وهذه ليست صدفة، بل هي جزء من دور مرسوم يتمثل في تقويض الرواية الوطنية، وزرع الشك في صفوف الشعب، وبثّ الانقسام الداخلي في لحظة حرجة.

ضرب الجبهة الداخلية… أولوية إسرائيلية

تعتمد دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة على استراتيجيات التفتيت الداخلي للمجتمعات التي تقاومها، وتحاول إضعاف مناعتها الذاتية عبر ما يسمى بـ”الحرب النفسية”.

ويشكّل عامر بعلوشة نموذجًا حيًّا لهذه الأدوات، فهو لا يكتفي بالنقد، بل يسعى بشكل منهجي إلى إثارة السخط واليأس، وشيطنة المقاومة، والتشكيك في قياداتها وخياراتها.

وقد عمل خلال الحرب على تضخيم المعاناة الإنسانية بعيدًا عن سياقها السياسي، أي من دون الإشارة إلى أن الاحتلال هو أصل المأساة، ليرسم صورة قاتمة عن المقاومة باعتبارها سببًا للدمار، وهي حيلة دعائية تستخدمها دولة الاحتلال باستمرار لتفتيت الالتفاف الشعبي حول المقاومة.

وحدث أن حرصت منصات إسرائيلية رسمية وغير رسمية – ناطقة بالعربية – على اقتباس وترويج ما ينشره بعلوشة، في محاولة لتضخيم أثره، وإظهاره كممثل لـ”تيار مناهض لحماس”، بينما الواقع يقول إن هذه التيارات لا تظهر إلا في ظل العدوان، وتختفي حين تتوقف المجازر، لأنها بلا حاضنة.

أجير صغير في خدمة مشروع كبير

ليس عامر بعلوشة سوى حلقة صغيرة في مشروع كبير، يهدف إلى اختراق المجتمع الفلسطيني من داخله، وبثّ الفرقة، وشلّ الإرادة، عبر أدوات دعائية ناعمة تعتمد على أصوات فلسطينية مخترقة.

وفي حين تنهمك غزة في لملمة جراحها، لا بد من الحذر من هؤلاء الذين يقدّمون خدماتهم لأجهزة الاحتلال، سواء بدافع المصلحة أو بدافع “التمويل المشروط”، متجاهلين أنهم لا يخدمون إلا مشاريع محتل غاصب يسعى لتدمير كل ما تبقى من مقومات الحياة الكريمة في غزة.

وفي مواجهة هؤلاء، يبقى الرهان على وعي الشارع، وعلى إعلام مقاوم يحصّن الجبهة الداخلية من السقوط في فخ الحرب النفسية، ويعيد توجيه البوصلة نحو من يستحقها: العدو لا غير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى