وائل الدحدوح على CNN: تفكيك رواية اللوم وفضح جوهر المأساة في غزة

لم يكن ظهور الصحفي وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، على شاشة شبكة CNN الأمريكية ظهورا عابرا بقدر ما كرس تفكيك رواية اللوم وفضح جوهر المأساة في غزة وهو ما أزعج سريعا شبكة أفيخاي ومرتزقتها فشرعوا بالهجوم عليه لأنهم لا يريدون تحميل الاحتـلال أي مسؤولية وإنما تحميل المقـاومة فقط مسؤولية الدمار والخراب في غزة.
وقد واجه الدحدوح الذي دفع أثمانًا شخصية ومهنية فادحة خلال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزة، محاولة إعلامية كلاسيكية لإعادة تدوير سؤال الإدانة: هل تتحمل المقاومة مسؤولية الدمار؟.
رفض الدحدوح هذا الاستدراج بنبرة ثابتة، وأعاد ضبط الإطار: الاحتلال هو الأصل البنيوي لكل مأساة يعيشها الفلسطينيون، والحروب لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023 بل تمتد على عقود من الاعتداءات الممنهجة.
وأظهر الدحدود إصرارا على توصيف استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في غزة بأنه متعمد لا “أضرارًا جانبية”، وهو ما يعكس خبرته الطويلة في الميدان وفهمه لتقنيات صناعة الرواية في الحروب.
ورأى معلقون أن أهمية هذه المقابلة أنها كسرت معادلة السؤال المعلب: “أدين المقاومة أم تُتهم بتبرير العنف؟”.
فالدحدوح قدّم إطارًا مبدئيا: لا يمكن تحميل الضحية وزر واقع فرضته منظومة احتلال وحصار واستيطان وقصف متكرر.
هذا الإطار ظهر واضحًا في تغطية وتعليقات رصدت كيف حوّل الدحدوح السؤال “المحمل” إلى نقاش عن جذور الاحتلال، بدل الانشغال بمربعات الإدانة الشكلية التي تسحب النقاش بعيدًا عن السبب الجوهري.
من هو الصحفي وائل الدحدوح؟
رأى مراقبون أن قوة حجة الصحفي الدحدوح تنبع من خبرته الإعلامية الطويلة، فضلا عن فقدان زوجته وطفلين وأفراد من عائلته في قصف سابق، ثم اغتيال ابنه حمزة الصحفي بعد أسابيع، وإصابته هو نفسه أثناء التغطية.
وبحسب المراقبين فإن هذه الحقائق ليست مجرد خلفية إنسانية؛ إنها شهادة على طبيعة المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في غزة، وكيف تصبح الأسئلة التي تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه نوعًا من إنكار التجربة الحية لمن هم في الخطوط الأمامية.
في المقابل، أثارت المقابلة فزع شبكة أفيخاي ومنظومات الدعاية المؤيدة للجيش الإسرائيلي.
فبدل الانخراط في نقاش حول الاحتلال كسبب بنيوي، اندفع أعضاء في شبكة أفيخاي إلى إغراق الفضاء الرقمي بهجمات شخصية ومحاولات لإعادة مركز الثقل إلى رواية “اللوم على المقاومة”؛ أي إعادة تدوير نفس التكتيك الذي أفشله الدحدوح على الهواء.
ديناميات هذا “الاستدراك المضاد” مألوفة: انتقاء مقاطع مجتزأة، وصناعة سرديات انفعالية تقفز فوق الوقائع، ثم ضخها عبر حسابات متناسقة لتصويرها كـ“رأي عام”.
وقد لفتت التغطيات النقدية للمقابلة في منصات مستقلة تحديدًا إلى طبيعة الأسئلة المحمّلة وكيف أعاد الدحدوح توجيهها إلى صلب القضية: الاحتلال والقواعد التي تنظم العنف ضده وضد المجتمع المدني.
فنا حاول الدحدوح تثبيته يتجاوز شخصه: إنه دفاع عن حق الفلسطيني في تعريف تجربته دون وصاية سؤال خارجي يختزل القضية في لحظة واحدة أو فعل طرف واحد.
وعندما يصر على تسمية استهداف الصحفيين في غزة بأنه “متعمّد”، فهو لا يطلق حكمًا إنشائيًا؛ بل يستند إلى نمط موثق من الانتهاكات، طال صحفيين ومؤسسات إعلامية، وولد ظاهرة “تكميم النار بالنار”، أي إسكات الشهود بالقصف.
ويتسق هذا التوصيف مع شهادات ومنحٍ وجوائز دولية ونداءات للمحاسبة، ويضع أي مقابلة في سياق أخلاقي: وظيفة الصحافة كشف الأذية لا إخفاءها، ومساءلة القوة لا تبريرها.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
أما الهجمة التي شنّتها حسابات دعائية بعد المقابلة، فهي جزء من “حرب الرواية” التي تراهن على إغراق الجمهور بضجيج يلغي المعنى.
هنا يتقدم درس الدحدوح: لا تقبل الإطار المضلّل، أعد تعريف السؤال من أساسه.
فعندما يُسأل الفلسطيني: “ألا تتحمل المقاومة جزءًا من المسؤولية؟” فإن الإجابة المهنية لا تبدأ بتوزيع اللوم بل بتفكيك بنية القوة: من يملك قرار الحرب والسلم؟ من يفرض الحصار؟ من يقصف ويحتل ويقرر الحركة والمعابر؟ وما أثر ذلك على المدنيين والصحفيين؟.
في المحصلة، قدّم وائل الدحدوح نموذجًا لصحفي يواجه “الكمين الخطابي” بحضور ذهني ومرجعية ميدانية واضحة: الاحتلال هو السبب الجذري، وما عداه تفاصيل لا يجوز أن تبتلع الأصل.
وفي زمن تتسابق فيه “شبكات الدعاية” على التشويه، بدا صوت الدحدوح تذكيرًا صلبًا بأن وظيفة الصحافة حماية المعنى قبل الصورة، وحماية الناس قبل الأرقام وأن كل مرتزق للاحتلال مصيره إلى مزابل التاريخ.