تحليلات واراء

من “خبر عاجل” إلى خطاب شماتة: سقوط جديد لإعلام التطبيع بعد هجوم الدوحة

تكشف التغطية التي قدّمتها وسائل إعلام تابعة لدول التطبيع العربي (السعودية، الإمارات، مصر، الأردن) لمحاولة اغتيال قادة من حماس في الدوحة عن سقوط جديد تمثل بصياغة سردية جاهزة سلفًا تتجاوز الوقائع إلى “تأطير سياسي” مقصود.

فبدل انتظار بيانات رسمية من الحركة أو من السلطات القطرية، سارعت بعض المنابر، وعلى رأسها قناة “العربية” المموّلة سعوديًا، إلى التعامل مع العملية على أنها “نجاح إسرائيلي” مكتمل الأركان.

ويؤكد مراقبون أن هذه العجلة ليست مجرد خطأ مهني؛ إنها جزء من نمط أوسع يضع أي استهداف لقادة المقاومة داخل إطار دعائي يبرّر القتل ويجرّده من سياقه القانوني والسياسي.

الهجوم الإسرائيلي على قطر

أول ملامح هذا النمط هو الانطلاق من “مصادر إسرائيلية” كمرجعية وحيدة للحقيقة. في التغطيات العاجلة نشاهد تكرارًا لصيغة “أفادت وسائل إسرائيلية…” يليها نقل حرفي للسردية الأمنية دون تدقيق أو مقابل فلسطيني أو قطري.

هكذا تُستعان “بموثوقية” المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لإضفاء صدقية على رواية أحادية، في حين يُقصى صوت الضحايا المحتملين أو المضيف القطري الذي يجري الحدث على أرضه.

وهو ما يعكس تحوّل “المصدر الإسرائيلي” إلى شاهد ملك دائم في قضايا تخص الفلسطينيين والعرب، مع غياب أبسط قواعد التحقق والتوازن.

الملمح الثاني يتمثل في لغة التشفّي والتقليل من إنسانية المستهدفين. تُستدعى بسرعة مفردات مثل “قيادات إرهابية”، “العقل المدبّر”، و“تصفية حسابات”، في إطار احتفالي يوحي بأن العملية “إنجازٌ” أمني يقطع الطريق على “الخطر”.

هذه اللغة لا تنتهك أخلاقيات الصحافة فحسب، بل تتغذّى أيضًا من سنوات طويلة من صناعة صورة نمطية عن المقاومة باعتبارها تهديدًا وجوديًا لا سياسيًا. وعندما تغيب إنسانية الخصم، تصبح تكاليف قتله — أو محاولة قتله — مادةً للاستعراض لا للسؤال والمساءلة.

استهداف قيادات حماس في الدوحة

عند استعراض الملمح الثالث يُلاحظ تعمّدُ تفريغ الحدث من أبعاده السيادية والقانونية. فمحاولة اغتيال على أرض دولة ذات سيادة هي في جوهرها انتهاكٌ أمنيٌ خطير يستدعي نقاشًا حول القانون الدولي وحدود الأعمال العدائية العابرة للحدود.

لكن التغطيات الموالية للتطبيع تتجنب هذا الإطار، وتجرّ الحدث إلى حلبة “الاصطفافات”: قطر متهمة بالتساهل مع “الإرهاب”، ودولة الاحتلال “تدافع عن نفسها خارج الحدود”.

بهذه الصياغة يجري تهميش الدور القطري كوسيطٍ رئيسي وفاعل إقليمي، وإعادة تعريف الدوحة من منصة تفاوض إلى “بيئة حاضنة” ينبغي تأديبها — في انسجام مع خطاب سياسي إقليمي لا يحبذ استقلالية السياسة القطرية.

أما الملمح الرابع فيظهر في إعادة تدوير “التحريض الاستباقي” على قادة حماس وأُسرهم. كثير من المنابر المعروفة بخطاب التطبيع سبق أن شيطنت قيادات المقاومة وأسرهم، وحرّضت عليهم في أوقات الهدوء كما الحرب.

وعندما تقع محاولة اغتيال، تتحول أرشيفات التحريض تلك إلى رافعة تبريرية: “لقد حذرنا مرارًا”. هذا التراكم لا يُفلت فقط من المحاسبة، بل يتحول إلى سياق تبريري يطبع الوعي العام على تقبّل الاغتيال كأداة سياسية مشروعة.

كما أن ثمة توظيفٌ واضح لخطاب “الإنهاك” الشعبي: إذ تُقدَّم محاولات الاغتيال كخطوة حتمية في مسار “استئصال” العنف، في تناغم مع رواية رسمية عربية ترى أن الطريق إلى “الاستقرار” يمر عبر سحق البنى المسلحة الفلسطينية، حتى لو تم ذلك على يد طرف خارجي.

بهذا المعنى، تغدو الشماتة — أو على الأقل اللامبالاة — تعبيرًا عن رغبة سياسية في ترجمة التطبيع إلى اصطفاف أمني كامل، حيث يصبح أمن دولة الاحتلال جزءًا من “أمننا القومي”.

في الوقت ذاته يبرز عنصر الإقصاء المهني: تُهمَّش المصادر المستقلة، ويُستبعد الخبراء القانونيون، ويُغيَّب صوت المجتمع المدني القطري والفلسطيني، لصالح خبراء أمنيين عرب معروفين بترجيع الرواية الإسرائيلية أو بتحميل الضحية المسؤولية.

النتيجة: تغطية “تقنية” تعج بالأكاديميات الأمنية والخرائط والصور الفضائية، لكنها فقيرة بالمعنى الحقوقي والسياسي، وتخلو من سؤال: من يملك حق القتل خارج نطاق القضاء؟ وما انعكاس سابقة كهذه على أمن مواطني وسمعة دولةٍ تستضيف مفاوضات حساسة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى