وفد حماس.. مفاوضون بأجساد مثقلة بالشهداء والأسر

في العادة تُقدَّم الوفود التفاوضية في النزاعات والحروب كصفوةٍ محمية، تعيش بعيدًا عن الألم الشعبي، وتحاور من موقعٍ مريح وهو أمر يخالفه واقع حال وفد حركة حماس المفاوض.
إذ أن وفد الحركة يقدّم صورة مغايرة تمامًا: قياديون يفاوضون وهم يتلقّون أنباء استشهاد أبنائهم وأخبار القصف على بيوتهم تصلهم بالهواتف، وذلك في ازدواجية قاسية تجعل من عملية التفاوض نفسها امتدادًا لساحة الحرب، لا قطيعة معها.
وجاء الاستهداف الإسرائيلي لوفد حماس المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة ليثبت مجددا أن وفد الحركة يجلس على طاولة التفاوض حاملاً معه ما هو أبعد من الملفات السياسية والأوراق التفاوضية.
إذ أن أعضاء الوفد ليسوا مجرّد وجوهٍ في قاعات التفاوض؛ بل أبناء تجربة مليئة بالجراح الشخصية والعائلية، ضحاياها هم أنفسهم وأقاربهم، في مشهد يجسّد وحدة المسار بين قيادة المقاومة وشعبها في غزة وجزء من السيرة الجماعية لشعب يعيش منذ عقود تحت الاحتلال والحصار.
خليل الحية: المفاوض الذي ودّع أبناءه
يتصدر الوفد المفاوض خليل الحية، الرجل الذي يعرفه الفلسطينيون ليس فقط كقيادي بارز في حركة حماس، بل كأبٍ قدّم فلذات كبده على مذبح القضية.
فقد استشهد أمس نجله همام، ليصبح الشهيد الثالث بين أبنائه، فضلاً عن فقدانه عددًا كبيرًا من أفراد عائلته في سلسلة الغارات الإسرائيلية.
وسبق أن تعرّض الحية تاريخياً لنحو 5 محاولات اغتيال، كان أبرزها عام 2014، بالإضافة إلى محاولات سابقة، ما تسبب في استشهاد عدد من أبنائه وأفراد عائلته.
وعليه يجلس الحية على طاولة التفاوض وهو يحمل صور أبنائه في قلبه، وشهاداتهم على كتفيه، ليثبت أن الدم الذي دفعه ثمنًا للمقاومة لم يغيّره إلى سياسيٍ باردٍ يتعامل مع الملف كأرقام ومطالب، بل كمشروع حياة أو موت.
وشخصية الحية بما تختزنه من صبرٍ وجرح، تمثّل رسالة صامتة إلى المفاوض الإسرائيلي: إنكم تواجهون خصمًا لا تفتّ في عضده الخسائر، بل تزيده إصرارًا.
زاهر جبارين: الأسير السابق لسنوات طويلة
عضو آخر في الوفد هو زاهر جبارين، أحد أبرز قادة الحركة في الضفة الغربية سابقًا، والذي قضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال.
فتجربة الاعتقال الطويلة جعلته أكثر دراية بملف الأسرى وعمق معاناتهم، وهو ما يمنحه ميزة تفاوضية مضاعفة حين يُطرح ملف الأسرى الفلسطينيين.
وجبارين ليس باحثًا يقرأ عن السجن من بعيد، بل أسيرٌ سابق ذاق مرارته وعاش تفاصيله، وهذا ما يضفي على صوته في قاعة التفاوض وزنًا خاصًا، ويحوّله إلى لسان حال آلاف الأسرى وعائلاتهم.
وفد لا يختلف عن شعبه
اللافت في تركيبة وفد حماس المفاوض أن جميع أعضائه قدّموا تضحيات شخصية هائلة: شهداء في العائلة، سنوات من الاعتقال، بيوت مدمرة، وحياة عائلية مفككة تحت القصف والنزوح.
هذه الخلفية تجعلهم أقرب إلى القاعدة الشعبية التي يمثلونها، وتجعل خطابهم التفاوضي منطلقًا من تجربة شخصية، لا من موقع نخبوي منفصل عن واقع الناس. إنهم يعرفون معنى الفقد، ويدركون ثمن أي تنازل، ولهذا يتمسكون بمواقفهم رغم الضغوط الدولية والإقليمية.
ولا يخفى أن أعضاء وفد حماس، بحكم مواقعهم القيادية، يشكّلون هدفًا دائمًا لإسرائيل وجميعهم يعيشون تحت التهديد، بعضهم فقد أبناءه وأقرباءه في محاولات اغتيال أو قصف جوي.
هذا الواقع يعكس جانبًا من التناقض القائم في التفاوض: الاحتلال الإسرائيلي يجلس مقابل أناسٍ لا ينظر إليهم كممثلين سياسيين شرعيين، بل كأهداف عسكرية مشروعة في نظره. وهو ما يجعل أي جلسة تفاوض مشبعة برهانات الدم والوجود.
وحين يُسأل عن سرّ صلابة وفد حماس في التفاوض، فإن الإجابة تكمن في هذه المعادلة الفريدة: إنهم يتحدثون انطلاقًا من تجربة تضحيات شخصية، ويرون في دماء أبنائهم وأحبتهم عهدًا يقيّدهم أكثر مما يحرّرهم.
ولذا فإن قدرتهم على المناورة لا تأتي من براعة سياسية مجردة، بل من وعي عميق بأن أي اتفاق غير منصف سيكون خيانة لأولئك الذين رحلوا.
وبالإجمال يُظهر وفد حماس المفاوض مثالًا نادرًا في تاريخ الصراعات: قيادة تتقاسم المصير ذاته مع جمهورها، وتفاوض انطلاقًا من تضحياتها لا من امتيازاتها. لذلك، فإن المفاوضات ليست مجرد سجال سياسي، بل امتداد لمعادلة الدم والصمود.