تحليلات واراء

وفاة عمار أبو ظهري تثير شبهات التصفية والصراع داخل السلطة

أثارت وفاة العقيد عمار محمد أبو ظهري، الضابط البارز في أجهزة الأمن الفلسطينية، عاصفة جديدة من الأسئلة والشكوك في الضفة الغربية، وسط اتهامات مباشرة من عائلته لجهاز الاستخبارات العسكرية بتعذيبه وإهماله طبيًا حتى الموت، في حين تطرح التطورات الأخيرة احتمال تصفيته على خلفية سياسية وأمنية حساسة، أبرزها دعم كتيبة جنين أو علاقته بعناصرها.

وعمار أبو ظهري، الذي أعلن عن وفاته مساء الثلاثاء في مستشفى إسرائيلي بعد تدهور حالته الصحية أثناء اعتقاله لدى جهاز الاستخبارات، كان شخصية معروفة داخل المنظومة الأمنية الفلسطينية.

إذ شغل الرجل منصب مدير مكتب رئيس جهاز الاستخبارات السابق زكريا مصلح، الذي أقاله الرئيس محمود عباس في مارس الماضي في خطوة فُهمت حينها على أنها جزء من إعادة ترتيب الولاءات داخل الأجهزة الأمنية.

كتيبة جنين والاتهامات الخفية

تتقاطع وفاة أبو ظهري مع سياق أمني شديد الحساسية في الضفة الغربية، إذ تصاعدت في الأشهر الماضية عمليات كتيبة جنين، التي باتت تُعتبر من رموز المقاومة المسلحة في شمال الضفة، وهو ما وضعها في مواجهة مفتوحة ليس فقط مع الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي ترى في تصاعد قوتها تهديدًا مباشرًا على قبضتها الأمنية.

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لـموقع «العربي الجديد»، فإن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنّتها الاستخبارات العسكرية مؤخراً داخل صفوفها، والتي طالت أكثر من 25 ضابطًا بينهم مسؤولون كبار، أثارت تكهنات بأن السلطة باتت تشك في تسرب دعم أو تسهيلات من داخل أجهزتها الأمنية إلى مجموعات المقاومة، وعلى رأسها كتيبة جنين.

وفي هذا السياق، تبرز تساؤلات خطيرة: هل كان عمار أبو ظهري من بين الضباط المتهمين بالتعاطف أو تقديم دعم غير مباشر لكتيبة جنين؟ وهل كان اعتقاله محاولة لانتزاع اعترافات منه أو لإسكاته خشية انكشاف صلات محتملة بين عناصر أمنية وهذه المجموعات؟

عائلة أبو ظهري: اتهامات بالتعذيب والإهمال الطبي

في بيان ناري صدر عنها مساء الأربعاء، حمّلت عائلة أبو ظهري جهاز الاستخبارات العسكرية المسؤولية الكاملة عن وفاته، متهمة إياه بتعريضه لـ«ظروف اعتقال قاسية وظالمة، تنكيل جسدي ونفسي، وإهمال طبي متعمد»، ما أدى لتدهور وضعه الصحي ووفاته لاحقًا.

وقالت العائلة إن أبو ظهري تعرض منذ اعتقاله في 27 مايو الماضي لمعاملة وحشية، وإنه لم يتلق أي علاج ملائم حين بدأت حالته الصحية في التدهور.

في المقابل، أصدرت المؤسسة الأمنية الفلسطينية بياناً حاولت فيه نفي هذه الاتهامات، مؤكدة أن أبو ظهري كان يعاني أمراضاً مزمنة وأنه أحيل أكثر من مرة إلى المستشفيات المختصة خلال فترة اعتقاله، قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقاً بسبب وضعه الصحي، لكن القدر لم يمهله طويلاً.

غير أن هذه الرواية الرسمية لم توقف سيل الأسئلة، إذ تشير مصادر حقوقية إلى أن حالات وفاة أو تدهور صحي حاد في السجون الفلسطينية غالبًا ما ترتبط بسوء المعاملة والتعذيب أو الإهمال الطبي، وهو ما وثقته تقارير منظمات حقوقية مثل الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسات أخرى.

تصفيات سياسية أم حرب ولاءات؟

التحليل السياسي لما يجري يشير إلى أن وفاة أبو ظهري لا يمكن فصلها عن الصراعات العميقة داخل أجهزة الأمن الفلسطينية. فالرجل محسوب على زكريا مصلح، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الذي أُقيل فجأة من منصبه، وسط تكهنات بخلافات داخلية حول إدارة العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، ومواقف الأجهزة الأمنية تجاه المقاومة المسلحة في جنين وسواها.

ويعزز هذا الطرح ما ذكرته مصادر «العربي الجديد» عن وجود حملة اعتقالات واسعة داخل الاستخبارات العسكرية نفسها، شملت مدير التحقيق وعدة ضباط بارزين، ما يعكس حرباً صامتة تدور رحاها بين أجنحة السلطة، ربما تتعلق بخلافات الولاء أو بتسريبات حساسة حول عمل المجموعات المسلحة.

إن أجهزة الأمن الفلسطينية لطالما اتُهمت من قبل فصائل المقاومة ومنتقدي السلطة بملاحقة المقاومين أو أي شخص يشتبه بتعاطفه مع العمل المسلح، تحت لافتة «الحفاظ على الأمن» والتزامات اتفاق أوسلو، إلا أن ما يجري الآن يبدو أعمق من مجرد اعتقالات سياسية معتادة.

إذ تُظهر حالة أبو ظهري مؤشرات على تصفية حسابات داخلية قد يكون عنوانها الولاء أو محاولة طمس صلات غير مرغوبة مع كتيبة جنين، التي تزداد شعبيتها وجرأتها في مواجهة الاحتلال.

الغموض سيد الموقف

حتى اللحظة، تظل وفاة أبو ظهري محاطة بالغموض. فرغم بيانات النفي الرسمية، تبدو الشبهات قوية، لا سيما في ظل التاريخ الطويل للتعذيب والإهمال الطبي في سجون السلطة، وغياب أي تحقيق مستقل حتى الآن.

وقد طالب إقليم حركة فتح في رام الله والبيرة بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات الوفاة، في مؤشر على انقسام داخلي حتى داخل حركة فتح نفسها بشأن ما جرى، ورفض تحويل الملف إلى مجرد قضية وفاة طبيعية.

وسواء كانت وفاة أبو ظهري نتيجة التعذيب المباشر أو الإهمال الطبي أو بسبب أمراض مزمنة تفاقمت بفعل ظروف الاعتقال القاسية، فإن المؤكد أن القضية تحولت إلى ملف سياسي وأمني بامتياز، يكشف حجم الانقسام الداخلي في أجهزة السلطة، وخطورة أي ارتباط مزعوم بين كوادر الأمن وكتيبة جنين أو غيرها من مجموعات المقاومة.

وبينما تطالب عائلته بكشف الحقيقة كاملة ومحاسبة المتورطين، يبقى السؤال الأهم معلقاً: هل كانت وفاة أبو ظهري مجرد حادث مأساوي، أم تصفية متعمدة لإسكات أسرار تتعلق بالدعم الخفي للمقاومة داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية؟.

والأيام المقبلة وحدها قد تحمل الجواب، لكن ما هو مؤكد أن هذه الحادثة ستلقي بظلال ثقيلة على صورة السلطة الفلسطينية، وتضيف المزيد من التعقيدات على مشهد أمني وسياسي مأزوم أصلاً في الضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى