تحليلات واراء

منصة Blinx.. ذراع دعائي أخر في ماكينة الدعاية الإماراتية لاستهداف المقاومة

تقدم منصة Blinx الممولة إماراتيا وتم إطلاقها من دبي عام 2023 نفسها على أنها “منصة شبابية رقمية حديثة”، تستهدف التوسع الإعلامي الإماراتي في الفضاء الرقمي العربي، خاصة عبر محتوى يستهدف الوعي الجمعي للفئات الشابة.

ورغم تغليفها بخطاب “الابتكار” و“القصص الملهمة”، إلا أن مضمونها، منذ الأشهر الأولى لظهورِها، كشف عن توجه سياسي واضح ينسجم مع خطوط الدعاية الإماراتية المعلنة وغير المعلنة، وفي مقدمتها استهداف المقاومة الفلسطينية وتشويه الحاضنة الشعبية الداعمة لها.

وتعرف Blinx نفسها كمنصة “ترفيهية معرفية” تستهدف جيل “Z”، لكنها في جوهرها مشروع إعلامي عالي التمويل، تستثمر فيه أبوظبي أدوات الإنتاج المرئي السريع، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتكثيف الرسائل الموجهة بلغة شبابية سهلة الانتشار.

وتعتمد المنصة على فريق متنوع الجنسيات، وتعمل بموازنة ضخمة مقارنة بمنصات عربية مشابهة، ما يعكس أن الهدف ليس مجرد تقديم محتوى ترفيهي، بل تأسيس ذراع رقمية جديدة تُعاد عبرها صياغة الرأي العام، بما يتماشى مع السياسات الإقليمية للإمارات.

ورغم الصورة “اللاسياسية” التي تحاول المنصة تكريسها، برز خلال العامين الماضيين نمط ثابت من التناول المنحاز في تغطية الملفات الحساسة، وعلى رأسها ملف غزة والمقاومة الفلسطينية.

فقد تحولت كثير من المواد المنشورة إلى رسائل سياسية واضحة، تتقاطع مع الخطابات التي تبثها أبوظبي عبر منصاتها التقليدية.

منصة Blinx ويكيبيديا

من أبرز خطابات التضليل التي كرّستها Blinx، ما يتعلق بنشر فبركات عن “خلافات داخل فصائل المقاومة على خلفية السلاح”.

إذ نشرت المنصة مرارًا محتوى يصوّر المقاومة الفلسطينية باعتبارها فصائل متناحرة، وتختلف حول إدارة السلاح في غزة، وكأنها مجموعات منفصلة يسود بينها الاحتقان الداخلي.

ورغم أن لا وثائق حقيقية ولا مصادر موثوقة دعمت هذه الادعاءات، إلا أن المنصة عززت هذه الرواية عبر أسلوب بصري سريع يتلاعب بالمقاطع المجتزأة والشهادات غير المحققة، مقدّمة الأمر على أنه “انقسام داخلي عميق” داخل بنية المقاومة.

وبحسب مراقبين فإن الهدف السياسي المباشر لهذا الخطاب هو ضرب الثقة الشعبية بالفصائل التي ما تزال تشكّل عمودًا أساسيًا في الصمود الفلسطيني بما يتقاطع مع الدعاية الإسرائيلية الرسمية التي تسعى إلى تعزيز الانقسام وإرباك الحاضنة الاجتماعية للمقاومة.

تبرير وجود العصابات الإسرائيلية

الأخطر في خطاب Blinx هو الطريقة التي تناولت بها الظهور العلني للعصابات المسلحة التي أنشأتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال حرب الإبادة.

فبدلًا من كشف الارتباط العضوي لهذه العصابات بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وإبراز دورها في الاغتيالات، الخطف، الجباية، التعذيب، وجمع المعلومات لصالح الاحتلال، اختارت المنصة تقديمها على أنها “مجموعات مسلحة معارضة للمقاومة”، وكأنها تعبير عن “غضب شعبي” أو “تيارات محلية متضررة من المقاومة”.

ويتجاهل هذا التوصيف الخادع الحقائق التي كشفتها تقارير ميدانية ومنظمات حقوقية حول تورط هذه العصابات في عمليات قتل وتصفية المعارضين للاحتلال، ودورها في استهداف المقاومين ومراقبة تحركاتهم، إضافة إلى ممارسة الابتزاز والسرقة مستغلة حالة الفوضى التي تسببت بها الحرب.

لكن Blinx قدّمت تلك العصابات العميلة بصورة محايدة، بل ومتعاطفة أحيانًا، باعتبارها “جماعات تحاول فرض النظام أو مواجهة نفوذ المقاومة”.

ولا يخدم هذا الخطاب سوى الرواية الأمنية الإسرائيلية التي لطالما حاولت تصوير عملائها داخل غزة على أنهم “معارضون محليون”، وليسوا أدوات للاحتلال، وهو ما يفضح الدور الوظيفي للمنصة في تبييض جرائم هذه العصابات وإخفاء حقيقة أنها جزء من بنية الاحتلال وأجهزته السرية.

تطبيع إعلامي مع رواية الاحتلال

من خلال هذه السرديات، تبدو Blinx وكأنها تتحرك ضمن استراتيجية إعلامية إماراتية أوسع، تعمل على:

تشويه صورة المقاومة عبر تصويرها منقسمة، متصارعة، وغير قادرة على إدارة سلاحها.

تقويض الحاضنة الشعبية عبر زرع الشكوك في أخلاقيات المقاومة وقراراتها.

تلميع العصابات المسلحة المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي والتغطية على حقيقة دورها التخريبي.

خلق وعي شبابي مضاد للمقاومة من خلال محتوى “حديث الشكل” لكنه سياسي في جوهره.

وهو ما يجعل المنصة امتدادًا واضحًا لجهود أبوظبي في السنوات الأخيرة، الرامية إلى هندسة رأي عام عربي يقبل بالتطبيع، ويعاد تشكيل وعيه تجاه القضية الفلسطينية بعيدًا عن مركزيتها التاريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى