معالجات اخبارية

الضفة الغربية: مستوطنون إسرائيليون يستولون على الأراضي تحت غطاء الحرب

على مدى العام الماضي، بينما كان معظم اهتمام العالم منصباً على الحرب على غزة، طُرد العديد من سكان قرية أم صفا – وهي قرية خلابة تبعد 12 كيلومتراً فقط إلى الشمال من رام الله في الضفة الغربية – من منازلهم على يد المستوطنين المسلحين، وفي كثير من الأحيان بمساعدة من الجيش الإسرائيلي.

إن إرهاب المستوطنين ليس ظاهرة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، حيث تخضع مساحات واسعة من الأراضي للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية. وأمام ذلك يعيش المواطن حسين خصيب في خوف دائم، لأنه يعلم أن التالين قد يكون هو وعائلته.

فمنذ اندلاع الحرب على غزة، تزايدت عمليات الاستيلاء على الأراضي والهجمات العنيفة التي تهدف إلى إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم. وتزامنت الهجمات مع فرض قيود شاملة على الحركة، مما أدى إلى حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى المدن والبلدات والقرى.

دعم حكومي متطرف

وفي الأشهر الأخيرة، بدأ المستوطنون – الذين شجعهم انتخاب شخصيات يمينية متطرفة من حركة الاستيطان – بتجريف جبلي الشامي والراس بالقرب من أم صفا، بهدف تحويل المنطقة إلى بؤرة استيطانية.

وقال مواطنون إنهم عندما توجهوا إلى السلطات الإسرائيلية طلبا للمساعدة، قوبلوا بالرفض وأُمروا بالعودة مع وثائق تثبت ملكيتهم القانونية للأراضي.

وبعد بحث موسع، قدّموا وثائق يعود تاريخها إلى مئات السنين من العهد العثماني، تثبت أنهم فعلاً هم المالكين الشرعيين.

وقال المواطن خصيب “ذهبنا إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية، على أمل أن تمنع المستوطنين من الاستيلاء على أراضينا. وفي النهاية، أخبرونا [المسؤولون الإسرائيليون] أن الأراضي ملك للدولة ولا يمكننا استخدامها”.

وفي عام 1995، قسمت اتفاقية أوسلو الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق عرفت بالمناطق (أ)، (ب)، (ج).

كانت المنطقة (ج)، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، من المفترض أن “تنتقل تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية”.

ولكن بعد فشل عملية السلام التي رفضت فيها (إسرائيل) إنهاء احتلالها والانسحاب عسكرياً، ظلت المنطقة تحت السيطرة العسكرية والمدنية الإسرائيلية الكاملة.

وقال خصيب إن الأراضي التي يجري تجريفها حاليا تبعد 15 مترا فقط عن منزله. ومنذ أن بدأ المستوطنون أعمال البناء، تلقى هو وإخوته إخطارات تأمرهم بهدم منازلهم.

وأضاف “نحن نعيش في الجحيم كل يومن لا ننام في الليل لأنهم لا يكتفون بتجريف الأرض فحسب، بل يهاجمون منازلنا أيضاً. إنهم يريدون منا أن نرحل حتى يتمكنوا من الاستيلاء على الجبل بأكمله”.

استغلال الحرب

أفاد مجلس قروي أم صفا، أن المستوطنين يسعون إلى ربط مستوطنتي حلميش (نفيه تسوف) وعطيرت، اللتين أقيمتا بعد تهجير مئات الفلسطينيين من أراضيهم القديمة.

كما تمت مصادرة حوالي 600 دونم (60 هكتارًا) من أراضي القرية في التسعينيات لبناء الطريق الرئيسي المؤدي إلى المستوطنات.

وفي الوقت الحاضر، لم يتبق في أم صفا سوى 720 فلسطينياً، وكثيرون منهم يفتقرون إلى الأراضي لبناء منازل جديدة. وفي الوقت نفسه، أغلقت إسرائيل المدخلين الشرقي والغربي للقرية، مما أدى إلى تقييد حركة المدنيين والتجاريين بشكل صارم.

وبحسب السكان وجماعات حقوق الإنسان والخبراء، فإن الوضع في أم صفا ليس جديدا وهو جزء من حملة أوسع نطاقا من جانب المستوطنين والحكومة الإسرائيلية للاستفادة من الحرب في غزة لزيادة الضغط على المجتمعات الفلسطينية للفرار.

وفي وقت سابق من هذا العام، وافقت السلطات الإسرائيلية على الاستيلاء على 12.7 كيلومتر مربع من الأراضي في وادي الأردن، مما يشير إلى أن هذه كانت أكبر عملية مصادرة واحدة تتم الموافقة عليها منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993.

والعديد من المستوطنين الإسرائيليين البالغ عددهم 700 ألف نسمة والذين يعيشون بشكل غير قانوني في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية مدفوعون بما يرونه كمهمة دينية لاستعادة أرض (إسرائيل التاريخية) للشعب اليهودي.

وبحسب منظمة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية تدعو إلى حل الدولتين وإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فإن الحكومة الإسرائيلية “خصصت ملايين الدولارات لحماية المزارع اليهودية الصغيرة غير المرخصة” في الضفة الغربية و”تأمين البؤر الاستيطانية الصغيرة، بهدف تطويرها حتى تصبح مستوطنات كاملة”.

وأظهرت وثائق تم الكشف عنها في يوليو/تموز أن الحكومة الإسرائيلية المؤيدة للاستيطان حولت أموالا سرا إلى بؤر استيطانية غير مرخصة، وهي منفصلة عن أكثر من 100 مستوطنة معترف بها رسميا.

وقد ارتبط بعض هذه البؤر الاستيطانية بعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وتحظى بموافقة الولايات المتحدة.

وفي العام الماضي، أعلنت وزارة المستوطنات والبعثات الوطنية، برئاسة أوريت ستروك، السياسية اليمينية المتطرفة التابعة لحزب البيت اليهودي، أنه تم تخصيص 75 مليون شيكل (19.7 مليون دولار) في الميزانية لتوفير “معدات أمنية للمستوطنات الناشئة”، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى المزارع اليهودية غير المصرح بها والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.

وتزامنت الأموال التي تم ضخها في توسيع المستوطنات مع زيادة حادة في عنف المستوطنين ضد الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين.

وبحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، نفذ المستوطنون خلال النصف الأول من العام الجاري ما لا يقل عن 1334 اعتداء على الفلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وقتلوا سبعة فلسطينيين على الأقل.

وخلال الفترة ذاتها أقام المستوطنون ما لا يقل عن 28 بؤرة استيطانية، منها رعوية وزراعية، فيما أجرت الحكومة الإسرائيلية دراسات لـ83 مخططاً هيكلياً شملت 13,730 وحدة استيطانية، منها 8,511 في الضفة الغربية و6,723 في القدس.

التركيز على منطقة الأغوار

وقد برزت منطقة الأغوار في شرق الضفة الغربية كواحدة من المناطق الأكثر عرضة لتوسع المستوطنات وعنف المستوطنين، حيث تسجل منظمات حقوق الإنسان هجمات شبه يومية ضد الفلسطينيين.

وقال حسن مليحة، المشرف العام على جمعية البيدر للدفاع عن حقوق البدو، إن دولة الاحتلال شجعت المستوطنين الساعين للسيطرة على غور الأردن من خلال السماح لهم بإقامة مستوطنات رعوية.

وأضاف أن البدو مستهدفون بشكل روتيني من قبل عصابات المستوطنين الذين يسرقون الماشية ويهاجمون الأطفال الفلسطينيين ويشنون هجمات على المنازل والمدارس، بما في ذلك هجمات الحرق العمد.

وذكر مليحة أن “الإرهاب الذي تمارسه ميليشيات المستوطنين هو السبب وراء رحيل العديد من التجمعات البدوية قسرا”. فقد تم تنفيذ ما لا يقل عن 3000 هجوم ضد التجمعات البدوية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مما أدى إلى فرار ما لا يقل عن 40 تجمعاً بدوياً من منازلها.

ويعاني السكان المحليون من غياب أي حماية قانونية، حيث يدعم جيش الاحتلال المستوطنين في هذه الاعتداءات التي ليست فردية أو عشوائية، في ظل تقاعس شديد من السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية عن تقديم أي دعم لهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى