تحليلات واراء

إعلام السلطة ودول التطبيع.. ذراع الاتحاد الأوروبي لتبييض دوره في إبادة غزة

منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، لعب الاتحاد الأوروبي دورًا مخادعًا وخطيرًا في التغطية على الجرائم الجماعية من خلال خطاب دبلوماسي يروج للمساعدات الإنسانية، دون اتخاذ أي إجراء حقيقي يوقف المجازر أو يضمن تدفق الإغاثة.

لكن الأدهى من ذلك أن هذا الدور الأوروبي القائم على التواطؤ تمّ تلميعه وتبريره بواسطة إعلام السلطة الفلسطينية، إلى جانب وسائل إعلام دول التطبيع العربي التي تحوّلت إلى منصات لتسويق الأكاذيب الغربية وتضليل الرأي العام الفلسطيني والعربي.

ويؤكد مراقبون أن التواطؤ الأوروبي في جريمة الإبادة في غزة ما كان ليُمرّر لولا وجود أدوات إعلامية فلسطينية وعربية تطبع مع الكذب، وتشارك في تضليل الشعب وتجريده من أدوات المقاومة والوعي.

في المقابل فإن إعلام السلطة ودول التطبيع لم يعد مجرد مرآة للواقع، بل أصبح شريكًا في الجريمة، يهيّئ الناس لقبول الجوع والذل باسم “الجهود الدبلوماسية” الأوروبية، بينما الموت يتمدد في كل زاوية من غزة المنكوبة.

من شراكة إبادة إلى شراكة مساعدات وهمية

لمدة تجاوزت 21 شهرًا، رفض الاتحاد الأوروبي وقف اتفاق الشراكة مع إسرائيل، رغم الجرائم الواضحة التي ترتكب بحق المدنيين، واستمرار الحصار والتجويع.

وبدلًا من الضغط الحقيقي أو فرض عقوبات، سعى الاتحاد الأوروبي إلى تسويق نفسه كوسيط “إنساني” يضغط من أجل إدخال المساعدات.

وقد استخدم في ذلك خطابًا مزدوجًا، يحمّل دولة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية جزئية عن الكارثة، لكنه في الوقت نفسه يمتنع عن اتخاذ خطوات ملزمة لوقف الإبادة، بل يستمر في تقديم الغطاء السياسي والعسكري.

الخطير أن الاتحاد الأوروبي لم يكتفِ بتقديم هذا الدور الرمادي بل ضخّ عبر قنواته الدبلوماسية والإعلامية معلومات كاذبة حول “الاتفاق مع الاحتلال على دخول المساعدات الإنسانية”، مما تسبب في تضليل مئات آلاف الفلسطينيين الذين ظنوا أن الأزمة في طريقها للحل، فامتنعوا عن إدارة استخدام ما تبقى لديهم من الطعام أو اللجوء لأساليب قاسية لتأمين قوتهم، بناءً على الوعد الأوروبي الكاذب.

إعلام السلطة يغسل يد أوروبا

في خضم هذه الأكاذيب، لم تتحرك مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المحسوبة على السلطة لإدانة هذا الخداع الأوروبي.

على العكس، فقد نشطت وسائل إعلام تابعة للسلطة الفلسطينية – سواء الرسمية أو المموّلة دوليًا – في إعادة تدوير خطاب الاتحاد الأوروبي والترويج له على أنه “جهود دبلوماسية لإنهاء معاناة غزة”، متجاهلة الحقيقة الواضحة: لا مساعدات دخلت، ولا دولة الاحتلال التزمت، وكل ما حدث هو تجويع منظم ومغلف بالبيانات الصحفية.

هذا الدور الإعلامي المشين لم يكن عابرًا، بل يأتي في سياق اصطفاف سياسي عميق بين السلطة والاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد السلطة في بقائها وتمويل أجهزتها على دعم أوروبي مباشر، وهو ما يفسّر صمتها الكامل عن تواطؤ بروكسل في تجويع سكان غزة.

تطبيع إعلامي مع الكذب الأوروبي

من جانب آخر، ساهمت وسائل إعلام عربية مملوكة لدول التطبيع، مثل الإمارات والسعودية، في تعميم الرواية الأوروبية – الإسرائيلية بشأن “الاتفاقات على دخول المساعدات”، وروّجت للمبادرات الغربية على أنها إنجازات إنسانية، رغم أن النتائج على الأرض كانت نقيض ذلك تمامًا: لا مساعدات، ولا هدنة، بل المزيد من الإبادة والجوع.

اللافت أن هذه الوسائل الإعلامية حرصت على التركيز على “مؤتمرات المانحين” و”مفاوضات العبور” و”الجهود التنسيقية”، دون أن تُظهر الواقع الحقيقي في غزة أو تكشف زيف الادعاءات الأوروبية.

وقد سمحت هذه التغطية الملفقة بسرقة القوت من أفواه الجوعى، حيث استغل التجار والمليشيات حالة الفوضى لتجميع ما تبقى من السلع بأسعار زهيدة وإعادة بيعها بأسعار فاحشة، بينما الشعب ينتظر وهمًا اسمه “المساعدات الأوروبية”.

صمت مريب من الجاليات والمنظمات

في ظل هذا المشهد المظلم، يغيب تمامًا الضغط المدني والشعبي على الاتحاد الأوروبي.

فلا الجاليات الفلسطينية والعربية في أوروبا حرّكت تظاهرات واسعة لفضح تواطؤ بروكسل، ولا المنظمات الحقوقية العربية وقفت عند مسؤوليتها، وكأن الأمر لا يعنيها.

ويبدو أن حالة الانقسام والتخدير السياسي الذي تغذيه السلطة، إضافة إلى هيمنة المال الخليجي على كثير من المنظمات، أسهمت في إنتاج حالة عامة من اللامبالاة.

حتى حين صدر بيان من الاتحاد الأوروبي يروّج فيه لضغطه على الاحتلال “من أجل إدارة أفضل للإبادة”، لم يخرج أي صوت فلسطيني رسمي أو عربي لمهاجمة هذا الانحطاط الأخلاقي.

إذ لم نسمع أحدًا يسأل: كيف تُدار الإبادة؟ وهل المطلوب تحسين شروط المجازر بدلًا من وقفها؟ وهل بات دور الاتحاد الأوروبي ينحصر في غسل سمعة الاحتلال، بدلًا من محاسبته؟

المطلوب: فعل حقيقي لا ترويج وهمي

ما يحتاجه سكان غزة الآن ليس بيانات أوروبية ولا تغطيات إعلامية موجهة، بل فعل حقيقي يتمثل في:

وقف تام للإبادة وليس تحسين إدارتها.

تجميد اتفاق الشراكة الأوروبية مع دولة الاحتلال إلى حين رفع الحصار ووقف الحرب.

وقف تصدير السلاح الأوروبي لإسرائيل.

إدخال المساعدات دون مماطلة أو قنوات مشبوهة، وبشكل مباشر لا يخضع لابتزاز الاحتلال.

تفعيل ضغط الجاليات والمنظمات الحقوقية لفضح دور الاتحاد الأوروبي كطرف شريك في الجريمة لا مجرد وسيط عاجز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى