صمت شبكة أفيخاي بعد موافقة حماس: سقوط مدوٍ لحملة التضليل الإسرائيلية

شكل إعلان حركة حماس منذ أيام موافقتها، من دون أي تعديل، على مقترح الوسطاء المصريين والقطريين بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة مع الاحتلال الإسرائيلي، تحولا سياسيًا وإعلاميًا في المنطقة والأهم أنه مهد سقوط مدوٍ لحملة التضليل الإسرائيلية والمرتزقة الضالعين فيها.
إذ أن حماس التي لطالما صوّرها الإعلام الإسرائيلي على أنها “متعنتة” و”تُفشل جهود التسوية”، أظهرت مرونة سياسية فاجأت خصومها وأربكت ماكينة الدعاية الإسرائيلية، وعلى رأسها شبكة أفيخاي المعروفة بتوجيه خطابها الممنهج ضد المقاومة.
فالموافقة غير المشروطة لحماس وفثاصل المقاومة وضعت الكرة في الملعب الإسرائيلي، وعرّت أمام الرأي العام أن الطرف المعرقل الحقيقي للاتفاق هو حكومة نتنياهو المتشددة، بينما أسقطت الأقنعة عن شبكة أفيخاي التي مارست لشهور ضغوطًا دعائية مكثفة لتحميل المقاومة مسؤولية استمرار الحرب.
حرب الإبادة في غزة
أكدت حماس في موافقتها على مقترح الوسطاء رسالتها الواضحة: الأولوية وقف نزيف الدم وإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، بعد حرب استمرت قرابة عامين، خلّفت أكثر من 62 ألف شهيد فلسطيني وآلاف الأسرى والمشردين.
هذه الخطوة، التي قوبلت بترحيب شعبي واسع داخل الأراضي الفلسطينية، أحرجت الحكومة الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، وفندت أي مزاعمة متبقية بأن العائق الحقيقي ليس “تعنت حماس”، بل رفض دولة الاحتلال تقديم تنازلات جوهرية خشية غضب التيار اليميني المتطرف داخلها.
في مقابل ذلك التزامت شبكة أفيخاي ماكينة دعاية الإسرائيلية الصمت على هذه التطورات.
ومنذ بداية الحرب على غزة، لعبت شبكة أفيخاي – نسبة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للشؤون العربية أفيخاي أدرعي – دور رأس الحربة في الحرب الإعلامية ضد المقاومة.
إذ أن خطاب الشبكة ارتكز على ثلاثة محاور أساسية:
تحميل حماس المسؤولية عن سفك الدماء في غزة.
إظهار دولة الاحتلال كطرف مرن يقبل مقترحات الوسطاء بينما ترفضها المقاومة.
التشكيك في دوافع المقاومة وتصويرها كقوة “تهرب من الحلول”.
لكن مع إعلان موافقة حماس على مقترح الوسطاء بلا شروط، انهار هذا البناء الإعلامي برمته. فجأة، خفتت أصوات شبكة أفيخاي، واختفى خطابها التصعيدي.
ويبرز مراقبون أن هذا الصمت لم يكن مجرد صدفة، بل تعبير عن أزمة سردية تواجه ماكينة الدعاية الإسرائيلية: لم يعد ممكنًا تسويق الأكاذيب السابقة بعدما انكشفت الحقائق.
مفاوضات التهدئة في غزة
يعكس صمت شبكة أفيخاي مأزقًا مزدوجًا:
سياسيًا: حكومة نتنياهو تجد نفسها أمام معادلة صعبة. من جهة، هناك ضغط شعبي داخلي متصاعد للموافقة على الصفقة حفاظًا على حياة الرهائن الإسرائيليين، ومن جهة أخرى، يرفض وزراء اليمين المتطرف أي هدنة أو تبادل أسرى إلا بشروط مهينة لحماس.
إعلاميًا: لم تعد شبكة أفيخاي قادرة على تبرير هذا التناقض. فالحركة التي وُصمت بالتعنت أظهرت مرونة، بينما دولة الاحتلال التي ادعت السعي لتسوية تماطل وتراوغ.
وبالتالي، تحوّل خطاب الشبكة من الهجوم المباشر إلى التجاهل المريب، في محاولة لتفادي مواجهة حقيقة أن آلة الدعاية انهارت أمام موقف فلسطيني عقلاني ومسؤول.
سقوط رواية “الاستسلام”
روّجت دولة الاحتلال عبر أدواتها الإعلامية لفكرة أن أي قبول من جانب المقاومة لشروط الوسطاء يعني “استسلامًا”. ومن هنا جاء الضغط المكثف من شبكة أفيخاي لإظهار أن حماس ترفض وقف إطلاق النار لأنها لا تريد أن تُظهر نفسها ضعيفة.
لكن موافقة حماس دون تعديل نسفت هذه الرواية. فالحركة لم تُظهر ضعفًا، بل قوة أخلاقية وسياسية، إذ وضعت حياة المدنيين ووقف المجازر فوق أي حساب سياسي أو عسكري. وفي المقابل، بدا الاحتلال كمن يفضّل استمرار الحرب والموت على تقديم تنازلات تحفظ حياة أسراه ومستقبل سكان غزة.
كما أن قبول حماس غير المشروط بالمقترح المصري-القطري مثّل نقطة تحول في الرأي العام الدولي. فقد تزايدت المطالبات في واشنطن والعواصم الأوروبية بمساءلة دولة الاحتلال عن سبب تعطيلها للاتفاق.
وربط التقارير الإعلامية الغربية بين المماطلة الإسرائيلية وبين الانقسامات داخل الحكومة، حيث يرفض وزراء اليمين المتطرف أي هدنة، فيما يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية متصاعدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين التي تتظاهر يوميًا للمطالبة بالصفقة.
هذا التحول في الخطاب العالمي جعل شبكة أفيخاي تتراجع إلى الصمت، إدراكًا منها أن أي محاولة لتزييف الحقائق ستفشل أمام الوقائع الموثقة.
دلالات استراتيجية
المفارقة أن مرونة حماس لم تكن مجرد خطوة تكتيكية، بل تحمل دلالات استراتيجية:
إعادة التموضع السياسي: الحركة أظهرت أنها قادرة على اتخاذ قرارات صعبة إذا كان الهدف وقف المجازر.
كشف ازدواجية الاحتلال: بوضع المقترح كما هو أمام الطرفين، لم يعد هناك مجال للتشكيك في الطرف الذي يُعرقل الحل.
إرباك الحرب النفسية: صمت شبكة أفيخاي يعكس ارتباكًا في المنظومة الإعلامية الإسرائيلية التي فقدت إحدى أهم أدواتها في معركة “كسب العقول والقلوب”.
وعليه فقط انكشفت حكومة نتنياهو كمن يفضل استمرار الحرب والمجازر على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، أما شبكة أفيخاي، التي استثمرت كل أدواتها لتزييف الحقائق وتحميل المقاومة المسؤولية، فقد وجدت نفسها في مواجهة أكبر فضيحة إعلامية منذ بدء الحرب: صمت مطبق يعكس عجزًا عن مواجهة واقع جديد عرّى خطابها وأفقده المصداقية.