معالجات اخبارية
أخر الأخبار

تفنيد رواية إسرائيل عن مجزرة المساعدات في رفح بالأدلة

في فجر الأحد، وبينما كان آلاف الفلسطينيين المرهقين من الجوع يصطفون على أمل الحصول على كيس طحين يسد رمق أطفالهم، دوّت رشقات الرصاص وقذائف الدبابات في منطقة المواصي غرب رفح. وخلال دقائق معدودة، تحوّلت ساحة توزيع المساعدات إلى مقبرة جماعية، حيث استُشهد ما لا يقل عن 31 فلسطينيًا، وأصيب أكثر من 200 آخرين، في مشهد جديد يعكس وحشية الاحتلال الإسرائيلي واستهتاره بالحياة الإنسانية تحت غطاء “التنظيم الأمني”.

ولم تمضِ ساعات على المجزرة حتى أطلق جيش الاحتلال روايته، مدعومة بمقطع فيديو زعم أنه يوثّق مسلحين فلسطينيين يطلقون النار وسط الحشود. ولكن الفيديو، الذي سعى لتبرير واحدة من أبشع المجازر بحق المدنيين، بدا منذ اللحظة الأولى مثقوبًا بالتناقضات، ومليئًا بالمؤشرات التي تدينه أكثر مما تبرئه.

التوقيت الزمني للفيديو وحده كافٍ لنسف الرواية من أساسها. المجزرة وقعت بعد شروق الشمس عند الساعة السادسة صباحًا، في حين يظهر المقطع المصوّر بإضاءة خافتة تُشبه ساعات ما قبل الفجر، رغم أن شروق الشمس في رفح في ذلك اليوم تحديدًا كان عند الخامسة وأربعين دقيقة. وهذه المفارقة الزمنية وحدها تفضح محاولة فبركة المشهد، وتُظهر أن المقطع لا يمتّ للحظة الجريمة بصلة.

وليس هذا فحسب، بل إن الانتقال المفاجئ في المشاهد داخل الفيديو يثير الشكوك في البداية يظهر عدد كبير من المدنيين يتزاحمون حول أكياس طحين، ثم تنقطع اللقطة لتُظهر موقعًا آخر شبه خالٍ من المدنيين، دون وجود واضح للمساعدات. وهذا التبدل لا يعكس تسلسلًا طبيعيًا لأحداث متواصلة، بل يشير إلى تجميع مشاهد متفرقة لخدمة سردية محددة، تنأى بالجيش الإسرائيلي عن الجريمة.

وبتحليل الظلال في المشاهد، يظهر اختلاف بيّن بين اللقطتين، ما يؤكد أن التصوير تم في توقيتين مختلفين تمامًا.

والأكثر خطورة هو أن الموقع المصوّر لا يتطابق مع المكان الحقيقي لمجزرة رفح. التحقيقات الميدانية والخرائط الجغرافية أكدت أن الفيديو التقط في منطقة خان يونس، وليس في موقع توزيع المساعدات بالمواصي. وتحديدًا، في نقطة بيع غير شرعية لطحن مسروق تديرها مجموعة مسلّحة متورطة في سرقة وتجارة المساعدات.

وفي أحد المقاطع، يظهر مسلح يطلق النار بين الجموع، لكن اللافت أن المحيطين به لم يُظهروا أي حالة ذعر أو فرار، وهو سلوك يتنافى مع رد الفعل الطبيعي في أجواء إطلاق نار عشوائي. وهذه اللقطة وحدها تشير إلى احتمال أن المشهد تم تصويره بتوجيه محدد، وربما بعيدًا عن مشهد المجزرة الحقيقي.

مجزرة المساعدات في رفح

وما يؤكد هذا الاستنتاج هو بيان صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي أشار بوضوح إلى أن الفيديو الإسرائيلي لا يبرئ جيش الاحتلال، بل يكشف عن جريمة إضافية تتمثل في حماية عصابات النهب وتنظيمها.

وأكد المرصد أن فريقه الميداني وثّق إطلاق نار مباشر من طائرات كوادكوبتر وقذائف دبابات على الجموع المدنية التي وُجهت عمدًا نحو طريق قيل إنه آمن، قبل أن تتحول إلى هدف عسكري مباشر.

كما اتهم المرصد مسلحي “الشركة الأمريكية” المكلفة بتوزيع المساعدات، بإطلاق قنابل الغاز تجاه الحشود بالتزامن مع إطلاق النار الإسرائيلي، في مشهد يعكس تنسيقًا خطيرًا بين أطراف يفترض أن تكون إنسانية، وبين آلة القتل المنظّمة.

ومع استمرار غياب آليات واضحة لتوزيع المساعدات، ورفض الشركة الأمريكية والجيش الإسرائيلي تقديم جداول زمنية أو آلية شفافة، يُضطر المدنيون إلى التوجه في ساعات الفجر الأولى لحجز أماكنهم في طوابير الانتظار الطويلة.

ومع تكرار المشهد المؤلم – الحشود في الانتظار، ثم إطلاق نار مفاجئ، ثم شهداء وجثث ممزقة – يتأكد أن نقاط توزيع المساعدات في غزة تحوّلت إلى مصائد موت، لا إلى محطات للنجاة.

ومنذ فبراير 2024، يتكرر السيناريو ذاته في أكثر من منطقة بقطاع غزة مجازر دامية بحق الجائعين، وادعاءات أمنية زائفة، وفيديوهات مفبركة تُسوقها ماكينة الاحتلال الإعلامية لتبرير القتل. لكن الحقيقة الدامية لا يمكن حجبها بمقاطع مشوشة أو روايات مرتعشة. وما يجري ليس استهدافًا عابرًا، بل منظومة ممنهجة لإبادة الفلسطينيين عبر تجويعهم، ثم قتلهم أثناء بحثهم عن لقمة العيش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى