
في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة ساذجة لتبييض صورة الاحتلال الإسرائيلي، أعلن جيش الاحتلال عن تنفيذ عملية الإنزال الجوي لما وصفه بـ”مساعدات إنسانية” في شمال قطاع غزة، لكنها لم تتعدَ سبعة صناديق صغيرة.
وهذه الكمية الهزيلة لا ترتقي بأي حال إلى مستوى الحاجة الإنسانية الكارثية التي يعاني منها أكثر من مليوني إنسان في القطاع المحاصر، وتؤكد أن ما جرى لا يعدو كونه استعراضًا دعائيًا هدفه امتصاص الغضب الدولي المتصاعد تجاه جريمة التجويع الممنهجة التي تُنفذ بحق الشعب الفلسطيني.
الإنزال الجوي دعاية إسرائيلية
وهذه الخطوة الرمزية جاءت وسط موجة انتقادات دولية حادة، أثارها تصريح وزير إسرائيلي في حكومة الاحتلال دعا فيه بشكل صريح إلى “محو غزة بالقصف والتجويع”.
وفجّرت التصريحات موجة غضب دولي، وسلطت الضوء أكثر على الوجه الحقيقي لسياسة الاحتلال، التي تستخدم التجويع كسلاح حرب ممنهج. حتى بعض المصادر الإسرائيلية أقرت بأن هذه التصريحات ألحقت ضررًا فادحًا بصورة “إسرائيل”، وأجبرتها على التوجه نحو خطوات شكلية كذريعة لاحتواء الانتقادات، دون أن يتغير الواقع على الأرض.
الإنزال الجوي ليس حلاً لغزة
وتصريح لخبير في منظمة اليونيسف، نقلته شبكة CNN، أكد أن الإنزال الجوي لا يمثل حلاً حقيقيًا في حالة غزة، بل يُستخدم عادة في المناطق المعزولة، وهو ما لا ينطبق على القطاع.
وأوضح أن فتح المعابر البرية يمكّن الأمم المتحدة من الوصول إلى 98% من الأطفال، ويمكن معالجة سوء التغذية المنتشر خلال أقل من شهر، بينما تبقى الإنزالات الجوية مجرد دعاية جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.
إدارة التجويع لا إنهاؤه
ووصفت منظمات المجتمع المدني في غزة الخطوة بأنها جزء من سياسة الاحتلال المكشوفة لإدارة التجويع بدل إنهائه، وذلك من خلال التحكم الكامل بما يسمى “الممرات الإنسانية” وفرض وقائع ميدانية قسرية تحت نيران القصف والجوع.
وهذا الأسلوب يعرض حياة المدنيين للخطر، ويهين كرامتهم الإنسانية، بدل أن يوفّر لهم الحماية والإغاثة الشاملة المطلوبة.
وأكدت المنظمات أن السبيل الوحيد لإنهاء المجاعة هو كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة بشكل كامل، وفتح المعابر البرية دون شروط أو قيود. ولا يمكن الحديث عن معالجة المجاعة بينما الاحتلال يمنع تدفق المساعدات ويتحكم بها بما يخدم مصالحه السياسية. المساعدات يجب أن تدخل فورًا، وبقرار واضح، عبر الأمم المتحدة، لتصل إلى مستحقيها دون عراقيل.
فوضى متوقعة بفعل سياسة التقطير
وسياسة “تقطير” الشاحنات عبر المعابر لا يمكن أن تضمن الحد الأدنى من الأمن الغذائي. آلاف الشاحنات متكدسة على الحدود، وفي حال استمرار هذا البطء، فإن مئات الآلاف من الجائعين سيتجمهرون على طرق الشاحنات، مما قد يتسبب في حالة من الفوضى، يبدو أن الاحتلال يدفع باتجاهها عمدًا لتبرير المزيد من الانتهاكات.
ومن أخطر ما يعانيه القطاع اليوم هو النقص الحاد في حليب الأطفال، حيث سجّلت الجهات الصحية ارتفاعًا صادمًا وغير مسبوق في وفيات الرضع خلال الأسبوعين الأخيرين. إن إدخال كميات كافية من الحليب أصبح مسألة حياة أو موت، ويجب التعامل معها بأولوية قصوى.
وأكدت المنظمات الإنسانية أن التعافي من آثار المجاعة يتطلب دخولًا منتظمًا ومستمرًا للمساعدات على مدار ثلاثة أشهر على الأقل، وبمعدل لا يقل عن 600 شاحنة يوميًا، تشمل كل أنواع الغذاء، المياه، مستلزمات النظافة، والأدوية، دون أي تدخل إسرائيلي. وهذه الخطة هي الحد الأدنى لإنقاذ سكان غزة من شبح الموت البطيء.
جرائم حرب موصوفة
واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أن خطوات حكومة الاحتلال للتحكم في المساعدات وفرض وقائع على الأرض تمثّل جرائم حرب مكتملة الأركان.
وأشارت إلى أن أكثر من ألف شهيد و6 آلاف جريح سقطوا بسبب سياسات الحصار والتجويع، مؤكدة أن هذه الجرائم لن تُمحى بمحاولات تبييض الصورة عبر الإعلام والدعاية المضللة.
واليوم، يقف المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها. إما أن تتحرك فعليًا لفرض كسر الحصار وإنهاء أكبر جريمة تجويع يشهدها العصر الحديث، أو أن يتحول صمتها وتراخيها إلى شراكة فعلية في جريمة مستمرة. والمواقف الإعلامية والضغوط الشكلية لم تعد كافية، والوقت ينفد أمام كارثة إنسانية مرشحة للمزيد من التدهور.