معالجات اخبارية

نيويورك تايمز: لا دليل على استيلاء حماس على المساعدات الأممية لغزة

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في تحقيق خاص نُشر مؤخرًا، أن الجيش الإسرائيلي لم يجد أي دليل على استيلاء حركة حماس أو أي من فصائل المقاومة على المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بشكل ممنهج في قطاع غزة، رغم المزاعم الإسرائيلية المتكررة التي استخدمتها لتبرير قيودها الصارمة على إدخال الغذاء والدواء إلى القطاع المحاصر.

وبحسب التحقيق، فإن هذه المزاعم التي رُوّج لها على مدى عامين من قبل الحكومة الإسرائيلية، فقدت مصداقيتها داخليًا بعد أن أكدت مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة أن نظام توزيع المساعدات الذي كانت تديره الأمم المتحدة كان أكثر كفاءة وموثوقية مقارنة بالآلية الحالية التي فرضتها تل أبيب.

تأكيدات إسرائيلية داخلية تنسف الرواية الرسمية

قال اثنان من كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، إلى جانب شخصين آخرين منخرطين في الملف، إنهم لم يجدوا ما يثبت أن حماس استولت على مساعدات تابعة للأمم المتحدة بشكل منتظم.

بل على العكس، أكد هؤلاء أن نظام الأمم المتحدة أثبت فعالية كبيرة في إيصال الغذاء إلى السكان المحتاجين، رغم الانتقادات الحادة التي وجهتها الحكومة لهذا النظام في السابق.

وأشار التحقيق إلى أن منظمات إغاثة دولية أصغر تعرّضت أحيانًا لتدخل من فصائل فلسطينية، لكن برنامج المساعدات التابع للأمم المتحدة كان يحافظ على استقلالية واضحة في إدارة سلاسل الإمداد والتوزيع.

تفاقم المجاعة وتصاعد الضغوط الدولية

تتزامن هذه المعلومات مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حيث يحذر أطباء ومنظمات دولية من تحول الجوع إلى مجاعة حقيقية تهدد أرواح الآلاف.

وقالت أكثر من 100 منظمة حقوقية وإغاثية هذا الأسبوع إن القطاع يواجه خطر “المجاعة الجماعية”، فيما ناشد الاتحاد الأوروبي و28 دولة – من بينها حلفاء رئيسيون لإسرائيل مثل بريطانيا وفرنسا وكندا – برفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية.

ورغم هذا الضغط، واصلت دولة الاحتلال التنصل من المسؤولية.

استئناف الإسقاط الجوي وتغيّر الآليات

وبعد موجة الانتقادات، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء السبت استئناف عمليات إسقاط المساعدات جواً بالتعاون مع قوات أجنبية، إضافة إلى فتح “ممرات إنسانية محددة”، دون تقديم توضيحات دقيقة حول كيفية عمل هذه الآليات أو ضمان أمن المدنيين أثناء التوزيع.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن أقصت دولة الاحتلال في مايو/أيار الماضي الأمم المتحدة عن إدارة ملف المساعدات، واستبدلتها بشركة أميركية خاصة تدعى Gaza Humanitarian Foundation (G.H.F)، يديرها عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وتعمل بحماية مقاولين أميركيين مسلحين في مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية.

لكن هذه المنظومة الجديدة لم تثبت فعاليتها؛ إذ تفتقر إلى بنية توزيع موسعة، وأدّت – وفقًا لوزارة الصحة في غزة – إلى مقتل نحو 1100 شخص بنيران الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع الطعام.

انقسامات بين الحكومة والجيش

كشف تحقيق نيويورك تايمز أيضًا عن خلافات متصاعدة بين الجيش الإسرائيلي وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن إدارة الحرب في غزة.

ففي وقت سابق، دعا كبار الضباط العسكريين إلى صفقة تبادل أسرى مقابل وقف إطلاق النار، لكن نتنياهو رفض المقترح، مفضّلاً مواصلة العمليات البرية.

كما عارضت الحكومة مقترحات عسكرية لإعادة تفويض الأمم المتحدة بدور رئيسي في توزيع المساعدات، لكنها اضطرت للقبول بها لاحقًا تحت ضغط دولي وتحذيرات أممية من “مجاعة وشيكة”.

تحقيق أميركي: لا أدلة على سرقة حماس للمساعدات

من جهة أخرى، ذكرت وكالة رويترز أن تحقيقًا داخليًا أجرته الحكومة الأميركية خلص إلى عدم وجود أدلة على أن حماس سرقت المساعدات الأميركية المقدّمة لغزة بشكل منتظم، وهو ما يعزز ما توصل إليه تقرير نيويورك تايمز من استنتاجات.

وتأتي هذه التطورات وسط توتر حاد بين دولة الاحتلال ومنظمة الأمم المتحدة، حيث تتهم تل أبيب المنظمة بـ”التحيز” و”العمل لصالح حماس”.

وفي أحدث فصول التوتر، رفضت تل أبيب تجديد تأشيرة مسؤول الشؤون الإنسانية الأممي جوناثان ويتال، واتهمه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بـ”نشر الأكاذيب” ضد الدولة العبرية.

أصوات أممية تنتقد التأخير

وعلق يورجيوس بيتروبولوس، المسؤول السابق عن تنسيق المساعدات في غزة، قائلاً: “لو استمعت (إسرائيل) لتحذيراتنا في وقت مبكر، لكان بالإمكان تجنّب المجاعة، ولما اضطر الناس للموت جوعًا أثناء محاولتهم إطعام عائلاتهم”.

ويبين هذا التقرير كيف أن المزاعم الإسرائيلية بشأن سرقة المساعدات من قبل حماس أي أي من فصائل المقاومة لم تكن مدعومة بأدلة، بل استُخدمت كأداة سياسية لتبرير تقليص المساعدات وخلق سردية تبرئ تل أبيب من المسؤولية.

لكن مع تصاعد الضغوط الدولية واستمرار معاناة سكان غزة، تبدو الحاجة ملحة لإعادة النظر في السياسات الإسرائيلية، وإعادة تمكين المنظمات الأممية من أداء دورها الإنساني دون تدخل سياسي أو عسكري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى