نتنياهو يعيّن سموتريتش مديرًا للحرب في غزة ووزيرًا للجيش بالإنابة
ارتباك سياسي وعسكري في إدارة حرب بلا أفق

في خطوة مفاجئة تعكس حجم التخبط السياسي والعسكري داخل الحكومة الإسرائيلية، عيّن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش مديرًا للحرب في قطاع غزة، وقائمًا بأعمال وزير الجيش.
وجاءت الخطوة في توقيت يشهد تصاعدًا حادًا في الانتقادات الداخلية والدولية لسلوك دولة الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة المستمرة، وإدارتها للملف الإنساني والمفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
كما تأتي هذه الخطوة في ظل تفاقم الجمود السياسي والعسكري، وبعد انتقادات علنية وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكومة الإسرائيلية، محذرًا من فشل مفاوضات تبادل الأسرى بسبب ما وصفه بـ”سوء التقدير وسوء الإدارة”، وخاصة في المراحل الحساسة المتعلقة بملف الأسرى المتبقين.
تعيين مثير للجدل
سموتريتش، المعروف بمواقفه المتشددة ومطالباته المتكررة بقطع المساعدات عن قطاع غزة، قاد سابقًا جهودًا لتقليص عدد الشاحنات الإنسانية من 4500 أسبوعيًا إلى بضع مئات فقط، ودفع بخطة إقامة “مدينة خروج” في رفح لترحيل عشرات الآلاف من السكان.
إلى جانب ضغوطه على الجيش الإسرائيلي لبناء محور عملياتي جديد يُعرف بمحور “موراج”، رغم غياب التقييم العسكري الضروري لمدى جدواه أو ضرورته.
ويؤكد مراقبون أن تعيينه قائمًا بأعمال وزير الجيش ليس سوى محاولة من نتنياهو لاحتواء الأزمة داخل ائتلافه اليميني المتشدد، في وقت تتراجع فيه ثقة الجمهور الإسرائيلي، ويتزايد الضغط من الحلفاء الدوليين، خاصة واشنطن وبروكسل.
قرارات ارتجالية
في أحد أبرز الأمثلة على التخبط، أفادت تقارير بأن سموتريتش قرر، خلال مكالمة غاضبة مع نتنياهو، وقف دخول شاحنات المساعدات إلى غزة، بعد انتشار صور تُظهر مسلحًا يحمل بندقية يجلس على إحدى تلك الشاحنات. القرار اتخذ بشكل فوري، دون مشاورات أمنية أو مدنية، ما تسبب بتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
وبعد أقل من يومين، وتحت ضغط وفد أوروبي زائر، أعادت القيادة السياسية فتح المعابر وأمرت بإدخال المساعدات فورًا، في تناقض صارخ مع القرار السابق، ما يعكس هشاشة آلية اتخاذ القرار وغياب الرؤية المتماسكة في إدارة الحرب والملف الإنساني.
الجيش.. بين نارين
بات الجيش الإسرائيلي، وفق تسريبات من داخل هيئة الأركان، بمثابة “محطة إطفاء” لأزمات الائتلاف الحاكم، حيث يتلقى تعليمات متضاربة من القيادة السياسية، تارةً بإغلاق المعابر، وتارةً أخرى بإدخال المساعدات بكثافة، وسط تضارب كامل في الأوامر بين سموتريتش والدوائر الأمنية العليا.
وخلال الأيام الأخيرة، وجدت دولة الاحتلال نفسها أمام أزمة متصاعدة نتيجة تفاقم المجاعة في غزة، ما دفعها إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات المتسارعة: السماح بإسقاط المساعدات جوًا، فتح معبر رفح بشكل محدود، إدخال مواد نظافة وأدوية، وتوصيل الكهرباء إلى محطات تحلية المياه.
تراجع أمام المجتمع الدولي
بدأت دولة الاحتلال وفق مصادر عسكرية، بتقديم تقارير يومية تُظهر حجم المساعدات الغذائية والطبية التي تدخلها إلى القطاع، في محاولة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، بعد أن وُصفت سياساتها بأنها جزء من “حملة تجويع منظمة” قد ترقى إلى جرائم حرب، وفقاً لمنظمات حقوقية بارزة.
وتُظهر المؤشرات أن دولة الاحتلال باتت تُدرك أن تعنتها السياسي، وتعيين شخصية كسموتريتش في موقع عسكري حساس، قد أضعف موقفها في مفاوضات تبادل الأسرى.
وبحسب المحللين، فإن أي صفقة مستقبلية باتت رهينة لإجراءات سموتريتش التصعيدية، وهو ما يعرّض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر ويقوض فرص التهدئة.
مأزق بلا نهاية
تلخص خطوة نتنياهو بتعيين سموتريتش حالة الانقسام والانفصال عن الواقع داخل الحكومة الإسرائيلية، التي تبدو اليوم عاجزة عن إدارة الحرب، أو حسم الميدان، أو حتى تقديم رؤية للخروج من المأزق.
ووسط هذا المشهد، يتزايد الإدراك داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية بأن التعيين لم يكن لأسباب عملياتية، بل هو مناورة سياسية لإرضاء التيار الأكثر تطرفًا داخل الائتلاف، على حساب فعالية إدارة الحرب.
وفي الوقت الذي يُواصل فيه المدنيون في غزة دفع ثمن التجاذبات السياسية الإسرائيلية، يُجمع مراقبون على أن هذه الخطوة قد تكون القشة التي قصمت ظهر الثقة بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية في دولة الاحتلال، في حرب باتت تتآكل من الداخل قبل أن تنفجر من الخارج.