تلفزيون فلسطين يتبنى الرواية الإسرائيلية: هجوم على المقاومة يبرّئ الاحتلال من مجاعة غزة

في سابقةٍ تثير الغضب والاستياء الشعبي، بثّ تلفزيون فلسطين الرسمي، التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، تقريرًا إخباريًا يُحمّل المقاومة الفلسطينية مسؤولية المجاعة الكارثية في غزة، وينسجم بشكل فجّ مع الرواية الإسرائيلية التي تسعى منذ شهور لتبرئة نفسها من جريمة التجويع الجماعي الذي يتعرض له أكثر من 2 مليون فلسطيني محاصرين.
وشن تقرير تلفزيون فلسطين هجوما على فصائل المقاومة وحملها مسئولية المجاعة في غزة والتفاوض على إدخال الإمدادات الإنسانية إلى القطاع، مستخدما عبارات صادمة لا يمكن تفسيرها إلا باعتبارها انحيازًا صريحًا لرواية العدو الإسرائيلي، الذي لطالما أنكر تعمّده تجويع سكان غزة.
وذلك رغم الأدلة الدولية الدامغة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، وتقارير هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود التي وثّقت التلاعب الإسرائيلي المتعمد في إدخال المساعدات وفرض الحصار الخانق.
وما ورد في تقرير تلفزيون فلسطين يتجاوز مجرد قراءة سياسية أو نقد داخلي، ليصبح غطاءً رسمياً للقتل البطيء الذي ترتكبه دولة الاحتلال الإسرائيلي، بتوقيع فلسطيني هذه المرة.
إهانة للمحاصرين… وتسويق لليأس
الأدهى من ذلك أن التقرير لم يكتفِ بتحميل المقاومة المسؤولية، بل سخر من معاناة الجوعى، وقلّل من نضال الصامدين قائلًا: “الجائع لا يرى في الوجود غير رغيف خبز، ولا يسمع إلا صوت معدته… فإن رحلتم ورفعتم يدكم عنا، ربما يجد رغيف الخبز طريقه إلى غزة”.
في هذا الخطاب اختزال فجّ لكل نضال غزة، ولكل كرامة الشهداء، ولكل أم احتضنت طفلها الهزيل، إلى مجرد “شهوة خبز”، كأنّ الكرامة الوطنية والحقوق السياسية والاستقلال والتحرر أضحت رفاهية ثانوية.
كما أن تقرير تلفزيون فلسطين يُلقي باللوم بشكل مباشر على من وصفهم بـ”قادة الانقلاب” في إشارة إلى قيادات فصائل المقاومة، متهمًا إياهم بأنهم السبب في “تفاوض على كيس طحين بدل القدس”.
غزة تُجَوّع… والسلطة تُجمّل الجريمة
بينما تسقط غزة تحت وابل المجازر، وتُحاصر حتى في لقمة العيش والماء والدواء، وتظهر صور الأطفال الهزال يتصدرون تقارير المجاعة الأممية، يخرج التلفزيون الرسمي لما يُفترض أن يكون “البيت الإعلامي لكل الفلسطينيين”، ليقول صراحة: “ليست (إسرائيل) من يجوعكم”.
هذه الرواية تُكرّر بحذافيرها ما تسوقه دولة الاحتلال في الإعلام الغربي: أن غزة ليست مجاعة من صنع الاحتلال، بل “إهمال إداري” من حركة حماس، وهي الحجة ذاتها التي تستخدمها تل أبيب لتبرير حصارها، ولتُفلت من جرائمها أمام المجتمع الدولي.
انفصال سياسي وأخلاقي عن الشعب
تقرير تلفزيون فلسطين ليس سقطة إعلامية عابرة، بل تعبير عن نهج سياسي متمرس في العداء للمقاومة والانفصال التام عن نبض الشارع الفلسطيني.
نحو 22 شهرا من حرب الإبادة على غزة، و230 صحفيًا استشهدوا، ومئات الأطفال ماتوا جوعًا، والمدارس تحولت إلى قبور جماعية، ثم يخرج من رام الله صوت رسمي يتساءل عن “علب السردين” ويحتقر مطالب المحاصرين، دون أن يذكر كلمة واحدة عن: الاحتلال، والحصار العسكري، واستخدام الغذاء كسلاح حرب، ومسؤولية (إسرائيل) القانونية كقوة احتلال.
وفي مشهد مستهجن، يظهر التقرير وكأنه بيان صحفي من وزارة الخارجية الإسرائيلية وليس صوتًا إعلاميًا يفترض أنه ناطق باسم الشعب الفلسطيني.
تكريس الانقسام وتصفية المقاومة
الهجوم الإعلامي الذي تبنّاه تلفزيون فلسطين ليس جديدًا، لكنه اليوم يأخذ بُعدًا خطيرًا لأنه يأتي في وقت حرج: وقت الإبادة الجماعية، والمجاعة المصنّعة، والانقسام الدموي.
الرسالة واضحة: بينما تسعى دولة الاحتلال لتصفية المقاومة بالقصف، هناك من في الداخل الفلسطيني يحاول تصفية الشرعية الشعبية والأخلاقية للمقاومة بالتحريض والكذب الإعلامي.
ويؤكد مراقبون أن مثل هذا الخطاب لا يخدم سوى الاحتلال، ويمهّد الطريق لفرض “وقائع ما بعد الحرب” وفق شروط تل أبيب وواشنطن، لا وفق تضحيات الشهداء والصامدين.
وبدل أن يكون الإعلام الرسمي الفلسطيني منصّةً لتوثيق المجاعة، ورفع صوت المحاصرين، والمطالبة بتحقيق دولي في استخدام الجوع كسلاح، يخرج علينا تقرير يُحاول إسكات المجاعة لا فضحها.
وفي زمن السقوط الإعلامي هذا، تبقى صور الأطفال في غزة أصدق من أي تقرير، وتبقى صرخات الجوعى أعلى من كل تبريرات الخنوع. ويبقى السؤال الكبير: إلى أي مدى يمكن للسلطة أن تذهب في التنكر لشعبها، من أجل تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين، ولو على حساب دماء الجوعى؟.