الخطوات الإسرائيلية تجاه مساعدات غزة: محاولة للتهدئة الإعلامية

في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة ويُخضعه لحصار خانق، تأتي الخطوات الأخيرة بشأن إدخال المساعدات الإنسانية المحدودة إلى القطاع لتكشف عن نوايا سياسية واضحة تهدف إلى تخفيف حدة الانتقادات الدولية والمطالبة بوقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوات الإسرائيلية قد تم الترويج لها على أنها محاولة لتلبية الاحتياجات الإنسانية، إلا أن الواقع يشير إلى أن دولة الاحتلال تستغل هذا الموقف لتقديم “لقطة إعلامية” تعزز من صورتها في الخارج، بينما تُمنع المساعدات الأساسية من دخول القطاع.
إدخال مساعدات محدودة في إطار الترويج الإعلامي
بدأت سلطات الاحتلال في السماح بدخول بعض المساعدات إلى قطاع غزة ابتداءً من يوم الأحد 27 يوليو 2025، إلا أن هذه المساعدات تركزت بشكل كبير على المواد غير الأساسية، مثل بعض المسليات التي يتم إدخالها بأسعار فلكية، في حين يتم حجب المواد الأساسية التي يحتاجها سكان غزة بشكل عاجل.
وقد تم إحصاء عدد الشاحنات التي دخلت القطاع خلال فترة 14 يومًا من بدء السماح بإدخال المساعدات، حيث بلغت الأعداد على النحو التالي:
الأحد 27 يوليو 2025: 73 شاحنة
الاثنين 28 يوليو 2025: 87 شاحنة
الثلاثاء 29 يوليو 2025: 109 شاحنات
الأربعاء 30 يوليو 2025: 112 شاحنة
الخميس 31 يوليو 2025: 104 شاحنات
الجمعة 1 أغسطس 2025: 73 شاحنة
السبت 2 أغسطس 2025: 36 شاحنة
الأحد 3 أغسطس 2025: 80 شاحنة
الاثنين 4 أغسطس 2025: 95 شاحنة
الثلاثاء 5 أغسطس 2025: 84 شاحنة
الأربعاء 6 أغسطس 2025: 92 شاحنة
الخميس 7 أغسطس 2025: 87 شاحنة
الجمعة 8 أغسطس 2025: 83 شاحنة
السبت 9 أغسطس 2025: 95 شاحنة
وبالرغم من هذه الأعداد التي تظهر دخول المساعدات، فإن الحصيلة الإجمالية لمساعدات غزة منذ بدء السماح بالإدخال لا تتجاوز 1,210 شاحنات فقط من أصل 8,400 شاحنة مفترضة، أي ما يعادل 14% فقط من الاحتياجات الفعلية للقطاع.
هذه النسبة الصغيرة من المساعدات تبرز بوضوح حجم الفجوة بين احتياجات القطاع الفعلية والكمية التي يسمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخالها.
نهب المساعدات في ظل فوضى أمنية مُفتعلة
إحدى القضايا الكبرى التي تواجه عملية إدخال المساعدات إلى غزة هي تعرض العديد من الشاحنات للنهب والسطو.
ففي ظل الفوضى الأمنية المُفتعلة التي يساهم الاحتلال الإسرائيلي في خلقها، يتم سرقة المساعدات أو تدميرها في الطريق.
ويظهر ذلك عدم وجود أي نوع من التنظيم أو الرقابة الفعالة على عملية توزيع المساعدات، مما يزيد من معاناة سكان القطاع.
وتعد هذه الممارسات جزءًا من سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى “هندسة التجويع والفوضى”، وهو ما يعكس نية الاحتلال في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإضعاف صموده أمام الهجمات العسكرية المستمرة.
هذه الخطوات الإسرائيلية تشير إلى أن الهدف من إدخال المساعدات ليس تلبية الاحتياجات الإنسانية بقدر ما هو استخدام المساعدات كأداة دعائية تهدف إلى تحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي.
فبينما يُسمح بدخول بعض المواد غير الأساسية التي لا تساهم في إغاثة السكان، يتم منع المواد الأساسية مثل الأدوية والمعدات الطبية، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في غزة.
منع وتأخير المساعدات
من جانب آخر، تواجه المؤسسات الدولية صعوبة كبيرة في إدخال المساعدات إلى القطاع. إسرائيل تواصل فرض قيود شديدة على دخول المنظمات الإنسانية، مما يمنعها من توفير الإغاثة اللازمة للمواطنين الفلسطينيين.
والعديد من المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تحاول توفير الدعم الطبي والغذائي للسكان، لكن هذه المحاولات تصطدم بالحواجز التي تضعها السلطات الإسرائيلية.
إحدى القضايا الرئيسية التي تثير القلق هي منع المؤسسات الدولية من تأمين المساعدات بشكل كامل وفعّال.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تقنين المساعدات على نحو يعكس توجيهًا سياسيًا من دولة الاحتلال التي تسعى إلى الحد من قدرة هذه المؤسسات على العمل بحرية داخل غزة، مما يعزز من تفشي المجاعة والأمراض في القطاع.
أزمة إنسانية مستمرة والضغط الدولي يتصاعد
على الرغم من هذه القيود والظروف الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، فإن الضغط الدولي على دولة الاحتلال يزداد يومًا بعد يوم.
إذ أن العديد من الدول والمنظمات الإنسانية تدين السياسات الإسرائيلية تجاه المساعدات وتطالب برفع الحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل كامل.
وفي هذا السياق، يعبر العديد من الخبراء عن قلقهم من أن دولة الاحتلال تستخدم أزمة المساعدات كأداة سياسية، تهدف إلى ترويج صورة الدولة “الإنسانية” في الوقت الذي تستمر فيه في ممارسات التجويع والترهيب ضد المدنيين في غزة.
الهدف الإسرائيلي: كسب الدعم الإعلامي
من الواضح أن الخطوات الإسرائيلية الأخيرة تتجه نحو تحقيق أهداف دعائية أكثر من كونها جهودًا إنسانية حقيقية.
تحاول دولة الاحتلال تصوير نفسها كداعم للمساعدات الإنسانية في ظل هجومها العسكري المستمر على غزة، فيما تعتبر هذه الإجراءات محاولة لتخفيف الضغط الدولي والسخط العالمي على سياساتها في غزة.
في النهاية، يبقى الوضع في غزة معقدًا ومريرًا، مع تصاعد المعاناة الإنسانية وزيادة في الاحتياجات الأساسية للسكان.
لكن من غير المتوقع أن تساهم المساعدات المحدودة والموجهة بشكل انتقائي في تخفيف المعاناة بشكل جاد، طالما أن الحصار الإسرائيلي لا يزال مفروضًا، والتوزيع غير العادل للمساعدات مستمرًا.
وتؤكد منظمات إنسانية وإغاثية أن على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات أكثر فعالية لدعم الشعب الفلسطيني وإنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، لضمان توفير المساعدات الأساسية التي تساهم في إنقاذ حياة المدنيين.