تحليلات واراء

الإمارات تمهّد الطريق لإسرائيل عبر مشروع “إمارة الخليل”

كشفت تقارير إعلامية عن تلقى عدد كبير من سكان مدينة الخليل في الأيام الأخيرة اتصالات هاتفية من جهات مرتبطة بدولة الإمارات، تطلب منهم تعبئة استبيان حول رأيهم في مشروع ما يسمى بـ “إمارة الخليل”.

وتعكس هذه الخطوة، التي أكدتها وسائل إعلام إسرائيلية مساراً جديداً في السياسة الإسرائيلية ـ الإماراتية المشتركة، يهدف إلى إعادة إنتاج نموذج “روابط القرى” الذي جُرّب أواخر السبعينيات وفشل تحت ضغط الرفض الشعبي.

وبحسب ما نشرته مصادر إسرائيلية، تعمل حكومة الاحتلال على تقسيم الضفة الغربية إلى كيانات شبه مستقلة تُعرف بـ”الإمارات السبع”، بحيث تُدار كل مدينة أو تجمع فلسطيني كوحدة إدارية منفصلة، يسهل التحكم بها أمنياً واقتصادياً.

ويبدو أن الخليل ستكون نقطة البداية، نظراً لتعقيداتها الجغرافية والديمغرافية، ولوجود مستوطنين يهود وسط المدينة تحت حماية عسكرية مشددة.

ويهدف المخطط الإسرائيلي إلى إعادة صياغة الضفة الغربية كفسيفساء من الكيانات المنعزلة، بدلاً من كيان وطني متماسك يمكن أن يشكل أساساً لدولة فلسطينية مستقلة.

وبذلك، يتحقق الهدف الاستراتيجي لليمين الإسرائيلي: تكريس السيادة الإسرائيلية على الأرض، مع إدارة السكان الفلسطينيين عبر هياكل محلية محدودة الصلاحيات.

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي

دخول الإمارات على خط هذا المخطط ليس مفاجئاً. فمنذ إعلان التطبيع العلني مع دولة الاحتلال عام 2020، بررت أبوظبي خطوتها بأنها جاءت لوقف خطة الضم الإسرائيلي للضفة.

لكن الوقائع على الأرض كشفت العكس: لم يتوقف الاستيطان، بل توسع، وتحوّل التطبيع إلى غطاء لتكريس السيطرة الإسرائيلية.

اليوم، يبدو أن الإمارات تذهب أبعد من مجرد التطبيع. فهي – بحسب مراقبين – توفر التمويل السياسي والاقتصادي اللازم لإنجاح مشروع “إمارة الخليل”.

وتشير التقديرات إلى أن أموالاً عربية ستُضخ لإنعاش المدينة، مع منح امتيازات اقتصادية لعمالها في سوق العمل الإسرائيلي، بهدف إقناع السكان بقبول النموذج الجديد.

ويعكس هذا السيناريو سياسة “العصا والجزرة”: تحسين نسبي في مستوى المعيشة مقابل القبول بالترتيبات الإسرائيلية الجديدة، في محاولة لتطويع الشارع الفلسطيني وإضعاف مقاومته.

مشروع “روابط القرى” الإسرائيلي

المقارنة الأقرب تاريخياً هي تجربة روابط القرى التي أنشأتها دولة الاحتلال عام 1978 بزعم تحسين حياة الفلسطينيين عبر إدارات محلية. لكن الهدف الحقيقي كان سحب البساط من تحت منظمة التحرير الفلسطينية وتقويض مشروعها الوطني.

وقد واجهت تلك الروابط رفضاً شعبياً شاملاً، وانتهت سريعاً إلى الفشل تحت ضغط المقاومة.

ومع ذلك، يبدو أن دولة الاحتلال تحاول اليوم إعادة إنتاج الفكرة بشكل جديد، بدعم إماراتي، وبأدوات أكثر حداثة تشمل التمويل، التسويق الإعلامي، وربما إدخال تحسينات خدمية لشراء الولاءات.

في المقابل فإن التطور الأبرز في هذا السياق هو تراجع دور السلطة الفلسطينية.

ويبرز الكاتب والمحلل السياسي عزام أبو العدس أن السلطة تفتقر تماماً إلى الأدوات اللازمة لمواجهة هذا المشروع الإسرائيلي الإماراتي، بل إن تفكيك السلطة بات أقرب من أي وقت مضى، وقد يتم برعاية عربية – في إشارة واضحة إلى دعم إماراتي أو خليجي لهذا السيناريو.

من الناحية الأمنية، لم تعد التفاهمات بين السلطة ودولة الاحتلال قائمة فعلياً. فجيش الاحتلال يسيطر بشكل كامل على المشهد في الضفة، فيما تنحصر مهمة أجهزة السلطة في إدارة الشؤون المدنية ومنع أي تحرك شعبي واسع. هذا الضعف يفتح الباب أمام مشاريع بديلة، مثل “إمارة الخليل”، لتفرض نفسها كأمر واقع.

ويؤكد المراقبون أن تطبيق مشروع “الإمارات السبع” لا يعني فقط تقويض حلم الدولة الفلسطينية، بل يعني تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية نفسها. إذ سيتم التعامل مع كل مدينة أو تجمع سكاني كوحدة منفصلة، تُدار عبر طبقة محلية مرتبطة مباشرة بالاحتلال أو بحلفائه.

وتجعل هذه السياسة من المستحيل تقريباً الحديث عن وحدة جغرافية أو سياسية قادرة على التفاوض أو المقاومة. ومع مرور الوقت، ستتحول هذه “الإمارات” إلى كانتونات محاصرة، تعتمد على دولة الاحتلال في مواردها ومعابرها واقتصادها، وتخضع للابتزاز الدائم.

الإمارات وإعادة تعريف دورها

يعكس دور الإمارات في دعم هذا المشروع تحوّلاً نوعياً في موقعها الإقليمي. فهي لم تعد مجرد طرف مطبّع مع دولة الاحتلال، بل باتت شريكاً نشطاً في مشاريعها لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني.

تبرير أبوظبي بأن التطبيع يهدف إلى خدمة الفلسطينيين فقد مصداقيته منذ سنوات. واليوم، يظهر بوضوح أن الإمارات تقدم غطاء عربياً للسياسات الإسرائيلية، وتسعى عبر المال والنفوذ إلى تشكيل “نموذج بديل” للهوية الفلسطينية في الضفة، بعيداً عن فكرة المقاومة أو الدولة المستقلة.

ورغم محاولات التسويق لهذا المشروع عبر استبيانات أو وعود اقتصادية، يُتوقع أن يواجه رفضاً واسعاً من الشارع الفلسطيني، خاصة في الخليل التي تحمل إرثاً تاريخياً طويلاً من المقاومة الشعبية والمسلحة.

لكن نجاح المقاومة الشعبية في إحباط هذا المخطط يتوقف على وحدة الموقف الفلسطيني، وهو ما يبدو غائباً اليوم في ظل الانقسام الداخلي، وغياب استراتيجية موحدة.

إذ أن ما يجري اليوم في الخليل ليس مجرد تجربة محلية أو مبادرة تنموية، بل هو جزء من خطة إسرائيلية كبرى لتقسيم الضفة الغربية إلى كيانات معزولة، بمباركة ودعم إماراتي، وإذا لم يواجه الفلسطينيون هذا المشروع بموقف موحد، فإن النتيجة ستكون تكريس الاحتلال، وتحويل حلم الدولة الفلسطينية إلى مجرد ذكرى تاريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى