تحليلات واراء

شبكة أفيخاي: حين يتحدث الاحتلال بلسان فلسطيني لتشويه المقاومة

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة في أكتوبر 2023، كثّف الاحتلال جهوده على جبهات متعددة، لم يكن الإعلام و”الحرب النفسية” أقلها، عبر توجيه شبكات دعائية تتخفى تحت غطاء النقد الذاتي الفلسطيني، في مسعى لتشويه المقاومة من الداخل بل والتقليل من إنجازاتها في إطار ضرب الروح المعنوية لدى الحضانة الشعبية.

في مقدمة هذه الشبكات تبرز ما يُعرف اليوم بـ”شبكة أفيخاي”، نسبة إلى أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش الاحتلال، والتي تضم أفرادًا من خلفيات عربية وفلسطينية، يتحدثون باللغة العربية، لكنهم يروّجون سرديات العدو.

علي شريم.. الوجه الفلسطيني للدعاية الإسرائيلية

من بين الوجوه البارزة في هذه الشبكة، يبرز اسم علي شريم، الفلسطيني المقيم في بلجيكا، الذي يقدّم نفسه كناشط مستقل، لكنه يمارس عبر حساباته على مواقع التواصل دورًا خطيرًا في ضرب الرواية الوطنية وتحريض الرأي العام الفلسطيني ضد المقاومة.

في منشور حديث له، علّق شريم على مقطع فيديو يُظهر مقاومين فلسطينيين ينفذون عملية جريئة ضد جيش الاحتلال قائلاً:”أراهم جريئين، لكنهم ضحايا لمعتقدات قياداتهم البالية… معظمهم كانوا يقمعون ويقتلون أهلنا في غزة.”

بهذه الجملة، يُعيد شريم تدوير السردية الإسرائيلية التي تسعى لنزع الشرعية عن فصائل المقاومة وتحويلها إلى “ميليشيات” ضد شعبها.

الدور المزدوج: نقد مقاومة تحت القصف

خطورة خطاب علي شريم لا تكمن فقط في كونه منحازًا، بل في أنه يتقمص دور الضحية الناقد، لا المهاجم المباشر.

فشريم لا يقول إنه مع الاحتلال، لكنه يختار كلمات بعناية، تُحمّل المقاومة مسؤولية كل دمار، وتُفرغ نضالها من أي مضمون وطني أو أخلاقي، عبر وصفه بـ”المغامرات” و”الاتجار بالشعارات”.

في أحد منشوراته كتب: “الناس في غزة تموت تحت الأنقاض، والمقاومة منشغلة ببيانات الانتصار… متى يستفيق تجار الشعارات؟”

هذا الخطاب يطابق تمامًا السردية التي تسعى دولة الاحتلال إلى ترسيخها: أن المقاومة هي سبب الكارثة، لا القصف ولا الحصار.

خطاب تحريضي مفضوح

شبكة أفيخاي التي ينشط فيها شريم، تضم مجموعة من الأفراد الذين يُقدّمون أنفسهم كأكاديميين، أو ناشطين، أو مستقلين، لكنهم يتشاركون نمطًا من الخطاب:

تبرير الهجمات الإسرائيلية تحت غطاء نقد المقاومة.

إعادة إنتاج مقولات الاحتلال حول “الدروع البشرية” و”الأنفاق تحت المدارس”.

التشكيك بعمليات المقاومة واتهامها بالفبركة أو التضليل.

الدعوة إلى “واقعية” سياسية تتماهى مع شروط الاحتلال.

هذا النوع من الخطاب يسمى في علم البروباغندا بـ”الدعاية الرمادية”، التي لا تأتي من العدو مباشرة، بل من أطراف داخلية تبدو مستقلة، لكنها تردد الخطاب المعادي بلغة مختلفة وأكثر تأثيرًا.

مؤخرًا، نفذت سرايا القدس عملية نوعية باستخدام صاروخ من مخلفات الاحتلال لم ينفجر سابقًا، واستهدفت به مركبة عسكرية إسرائيلية في كمين هندسي محكم. لم يمر يومان على نشر فيديو العملية حتى خرجت شبكة أفيخاي، عبر أحد أبواقها – إبراهيم أبراش، وزير الثقافة السابق – لتشويه العملية، مدعيًا أن المقاومين ارتدوا زيّ المسعفين.

ورغم وضوح المشاهد التي أظهرت المقاومين بملابس سوداء وهم ينقلون الصاروخ على سلم خشبي، ردّد أفراد شبكة أفيخاي هذه الرواية دون تحقق، ما يعكس تنسيقًا واضحًا مع ماكينة الدعاية الإسرائيلية، خصوصًا أن المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي كرّر الرواية ذاتها بعد أيام.

ردود شعبية: رفض واسع واتهامات بالخيانة

لم تمر منشورات شريم ومن على شاكلته دون رد. فقد شهدت منصات التواصل موجة استنكار واسعة، واعتبر كثيرون أن ما يقوم به ليس نقدًا، بل خيانة ناعمة. كما طالبت منظمات فلسطينية في أوروبا بفتح تحقيقات حول تمويل نشاطه الرقمي، ومدى ارتباطه بمشاريع تطبيعية.

وبحسب مراقبين فإن ما تكشفه حالة علي شريم وشبكة أفيخاي هو أن الحرب على غزة ليست فقط عسكرية، بل إعلامية ونفسية أيضًا. الاحتلال يسعى اليوم إلى تفكيك الوعي الفلسطيني من الداخل، ليس عبر القنابل فقط، بل عبر الخطابات المسمومة التي تنتحل صفة “النقد الوطني”، بينما هدفها كسر الروح المعنوية وزرع الشك والانهزامية.

إن كشف هذه الأدوات، وفضح من يستخدم اسمه الفلسطيني لتبرئة الاحتلال وتشويه المقاومة، جزء أصيل من معركة الوعي والتحرير. علي شريم ومن على شاكلته، ليسوا “أصواتًا مستقلة”، بل امتداد رقمي للمحتل. مواجهتهم ليست قمعًا للرأي، بل دفاع عن الحقيقة في زمن الخداع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى